في مطالعة قانونية بخصوص الأفكار التي طرحها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في ورقته النقاشية السادسة (سيادة القانون أساس الدولة المدنية)، قال المحامي إسلام الحرحشي مدير مركز إحقاق للدراسات القانونية ما يلي:
أولاً: أطلق جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين الورقة النقاشية السادسة بتاريخ (16/10/2016) بعنوان (سيادة القانون أساس الدولة المدنية)، وقد قال فيها جلالته:
(إن مبدأ سيادة القانون جاء ليحقق العدالة والمساواة والشفافية والمساءلة على جميع مؤسسات الدولة وأفرادها دون استثناء وخاصة ممن هم في مواقع المسؤولية، من خلال ممارسات حقيقية على أرض الواقع. ولا يمكن لأي إدارة أن تتابع مسيرتها الإصلاحية وترفع من مستوى أدائها وكفاءتها دون تبني سيادة القانون كنهج ثابت وركن أساسي للإدارة.
إن التطبيق الدقيق لمواد القانون يعد من المتطلبات الضرورية لأي عملية تحول ديمقراطي ناجحة. كما أن سيادة القانون تضمن ممارسة أجهزة الدولة لسلطاتها وفق الدستور والقانون. فلا يمكن لدولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان أن تعمل خارج هذا الإطار. لذا، تشترك الحكومة وأجهزة الدولة كافة في حمل مسؤولية ما تتخذه من قرارات وسياسات وإجراءات، فمؤسسة البرلمان تمارس دورها في التشريع والرقابة، والقضاء المستقل النزيه والأجهزة الأمنية مناط بها تطبيق القانون، ليطمئن المواطن بأنه يستظل بسيادة القانون الذي يحميه ويحمي أبناءه دون تمييز أينما كان في ربوع هذا الوطن العزيز. وهذا يتطلب بالضرورة تطبيق القانون على الجميع دون محاباة أو تساهل وعلى المسؤول قبل المواطن، كما يجب أن يستند إلى تشريعات واضحة وشفافة، وإدارة حصيفة وكفؤة.
إن التواني في تطبيق القانون بعدالة وشفافية وكفاءة يؤدي إلى ضياع الحقوق ويضعف الثقة بأجهزة الدولة ومؤسساتها. كما أن تساهل بعض المسؤولين في تطبيق القانون بدقة ونزاهة وشفافية وعدالة ومساواة يشجع البعض على الاستمرار بانتهاك القانون ويترك مجالا للتساهل الذي قد يقود لفساد أكبر، بل إلى إضعاف أهم ركائز الدولة، ألا وهي قيم المواطنة.)
ثانياً: وإثراءاً لباب النقاش في هذه الورقة النقاشية المهمة نود أن نُبَيّن كيف يتم انتهاك حرية وحقوق الانسان والمواطن الأردني، وكيف يتم توقيفه في مراكز التوقيف خلافاً لأحكام القانون، وهنا نود الحديث عن مخالفة القانون فيما يتعلق في الاحكام القانونية الناظمة للتوقيف القضائي، ولن نتطرق للتوقيف الاداري الذي يمارسه الحكام الاداريون، فهذا التوقيف أمره محسوم، فهذا التوقيف يخالف الأسس والمبادئ الديمقراطية والقانونية، إذ أن هذا التوقيف لا يمكن تصوره في دولة ديمقراطية وفي دولة المؤسسات وسيادة القانون، فالتوقيف يجب أن يكون من خلال سلطة قضائية ولا يستوي التوقيف من خلال سلطة إدارية أبداً.
ثالثاً: وفيما يلي نُبَيّن كيف تقوم بعض المحاكم وبعض المدعيين العام بمخالفة أحكام القانون، فيصدرون قرارات قضائية قاضية بتوقيف المشتكى عليهم خلافاً للأحكام القانونية الناظمة للتوقيف القضائي باعتباره أحد التدابير القانونية الاستثنائية:
أ- إن أحكام المادة (9) من (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية) تقضي بأن لكل فرد الحق في الحرية وفي الامان على شخصه، ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفاً، ولا يجوز حرمان احد من حريته الا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه، ولا يجوز ان يكون احتجاز الاشخاص الذين ينتظرون المحاكمة هو القاعدة العامة ، ويجوز تعليق الافراج عنهم على ضمانات لكفالة حضورهم المحاكمة في اية مرحلة اخرى من مراحل الاجراءات القضائية، ولكفالة تنفيذ الحكم عند الاقتضاء، كما تقضي بأنه لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الرجوع الى محكمة لكي تفصل هذه المحكمة دون ابطاء في قانونية اعتقاله، وتأمر بالإفراج عنه اذا كان الاعتقال غير قانوني، كما تقضي بأنه لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني حق في الحصول على تعويض.
ب- إن أحكام المادة (114) من قانون (قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 9 لسنة 1961وتعديلاته) التي تنص على ما يلي:
1. ان التوقيف هو تدبير استثنائي، ولا يكون التوقيف إلا إذا كان هو الوسيلة الوحيدة للمحافظة على أدلة الإثبات أو المعالم المادية للجريمة أو للحيلولة دون ممارسة الإكراه على الشهود أو على المجني عليهم أو لمنع المشتكى عليه من اجراء أي اتصال بشركائه في الجريمة أو المتدخلين فيها أو المحرضين عليها أو أن يكون الغرض من التوقيف حماية المشتكى عليه نفسه أو وضع حد لمفعول الجريمة أو الرغبة في اتقاء تجددها أو منع المشتكى عليه من الفرار أو تجنيب النظام العام أي خلل ناجم عن الجريمة.
2. بعد استجواب المشتكي عليه، يجوز للمدعي العام ان يصدر بحقه مذكرة توقيف وفق ما تقتضيه الفقرة (1) من هذه المادة لمدة لا تتجاوز سبعة أيام إذا كان الفعل المسند إليه معاقبا عليه بالحبس مدة تزيد على سنتين، ولمدة لا تتجاوز خمسة عشر يوما إذا كان الفعل المسند إليه معاقبا عليه قانونا بعقوبة جنائية وتوافرت الأدلة التي تربطه بالفعل المسند إليه، ويجوز له تمديد أي من هاتين المدتين كلما اقتضت مصلحة التحقيق ذلك على أن لا يتجاوز التمديد شهرا واحدا في الجنح وثلاثة أشهر في الجنايات المعاقب عليها قانونا بعقوبة مؤقته وستة اشهر في الجنايات الأخرى، وعلى ان يفرج عن المشتكي عليه بعدها ما لم يتم تمديد مدة التوقيف في حالة الجناية وفق أحكام الفقرة (4) من هذه المادة .
3. تسري أحكام التوقيف والتمديد المشار إليها في الفقرة (2) من هذه المادة على المشتكى عليه المسند اليه احدى الجنح المعاقب عليها قانونا بالحبس مدة لا تزيد على سنتين في أي حالة من الحالتين التاليتين:
أ. إذا كان الفعل المسند إليه من جنح السرقة أو الإيذاء المقصود أو الإيذاء غير المقصود الناجم عن حوادث السير إذا كان الفاعل مخالفا لأحكام قانون السير النافذ من حيث القيادة دون رخصة أو القيادة تحت تأثير المشروبات الكحولية أو المخدرات أو المؤثرات العقلية .
ب. إذا لم يكن له محل إقامة ثابت ومعروف في المملكة، على أن يفرج عنه إذا قدم كفيلا يوافق عليه المدعي العام يضمن حضوره كلما طلب إليه ذلك .
4. إذا اقتضت مصلحة التحقيق في قضية جنائية قبل انتهاء المدد المبينة في الفقرة (2) من هذه المادة استمرار توقيف المشتكى عليه وجب على المدعي العام عرض ملف الدعوي على المحكمة المختصة بنظر الدعوى، وللمحكمة بعد الاطلاع على مطالعة المدعي العام وسماع أقوال المشتكى عليه أو وكيله حول مبررات استمرار التوقيف من عدمه والاطلاع على أوراق التحقيق أن تقرر قبل انتهاء تلك المدة تمديد مدة التوقيف لمدة لا تتجاوز في كل مرة ثلاثة أشهر في الجنايات على أن لا يزيد مجموع التوقيف والتمديد في جميع الأحوال على سنة في الجنايات المعاقب عليها قانونا بعقوبة مؤقتة أو ثمانية عشر شهرا في الجنايات الأخرى، أو أن تقرر الإفراج عن الموقوف بكفالة أو من دونها .
5. في جميع الأحوال، إذا كان الفعل المسند إلى المشتكى عليه معاقبا عليه بعقوبة جناية مؤقتة، فلا يجوز أن تزيد مدة التوقيف والتمديد في مرحلتي التحقيق والمحاكمة على ربع الحد الأقصى لعقوبة المحددة للجريمة.
6. للمدعي العام أن يقرر أثناء إجراءات التحقيق في الجرائم الجنحية والجرائم الجنائية المعاقب عليها قانونا بعقوبة مؤقتة استرداد مذكرة التوقيف على ان يكون للمشتكى عليه محل إقامة ثابت في المملكة ليبلغ فيه جميع المعاملات المتعلقة بالتحقيق وإنفاذ الحكم.
رابعاً: عملا بأحكام المادة (9) من (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية) وأحكام المادة (114) من قانون (قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 9 لسنة 1961وتعديلاته) اللتين تقضيان بأن التوقيف هو تدبير استثنائي، نجد أن المدعي العام أ أو القاضي لا يجوز لأي منهما (حسب مقتضى الحال) أن يصدر بحق المشتكي قراراً بالتوقيف إلا إذا توافرت الشروط والمبررات التالية أو أحدها على الأقل:
1- أن يكون التوقيف هو الوسيلة الوحيدة للمحافظة على أدلة الإثبات أو المعالم المادية للجريمة
2- أن يكون التوقيف للحيلولة دون ممارسة الإكراه على الشهود أو على المجني عليهم
3- أن يكون التوقيف لمنع المشتكى عليه من اجراء أي اتصال بشركائه في الجريمة أو المتدخلين فيها أو المحرضين عليها
4- أن يكون الغرض من التوقيف حماية المشتكى عليه نفسه
5- أن يكون التوقيف لوضع حد لمفعول الجريمة أو الرغبة في اتقاء تجددها.
6- أن يكون التوقيف لمنع المشتكى عليه من الفرار.
7- أن يكون التوقيف لتجنيب النظام العام أي خلل ناجم عن الجريمة.
خامساً: في الواقع العملي والممارسات اليومية في المحاكم ودوائر المدعين العامين نجد أن غالبية المحاكم الجزائية وغالبية المدعين العامين عند إصدار أحدهم قرار التوقيف يكتفي بعبارة (لضرورات التحقيق أقرر توقيف … أو تمديد … أو تجديد توقيف …) دون أن يذكر في المحضر المبرر القانوني لإصداره قرار التوقيف كما توجب المادة (114) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، فالقرار الذي يخلو من بيان وذكر أي سبب من الاسباب أو المبررات أو الشروط الاستثنائية التي تبرر التوقيف الواردة على سبيل الحصر، يعد قراراً مخالفاً وانتهاكاً لأحكام المادة (114) من قانون (قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 9 لسنة 1961وتعديلاته)، وما يزيد الأمر أسفاً على أسف هو أنه عندما يتم الطعن بهذه القرارات لدى محكمة الاستئناف يأتي قرارها مقتضباً، وتكتفي بالقول (أنه لا يوجد مبرر لإخلاء السبيل)، وبذلك نجد أن هذه المحكمة جعلت التوقيف هو القاعدة العامة واخلاء السبيل هو الاستثناء ولا يوجد مبرر له.
سادساً: إن جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في ورقته النقاشية هذه بَيَّن بشكل واضح وجلي أنه (ولنتمكن من تعزيز منعتنا ومواجهة التحديات بثقة وصلابة ونحقق النمو والازدهار، هناك موضوع رئيسي أطرحه في هذه الورقة النقاشية؛ وهو بالنسبة لي ما يميز الدول المتقدمة الناجحة في خدمة مواطنيها وحماية حقوقهم، وهو الأساس الحقيقي الذي تُبنى عليه الديمقراطيات والاقتصادات المزدهرة والمجتمعات المنتجة، وهو الضامن للحقوق الفردية والعامة، والكفيل بتوفير الإطار الفاعل للإدارة العامة، والباني لمجتمع آمن وعادل؛ إنه سيادة القانون المعبِّر الحقيقي عن حبنا لوطننا الذي نعتز به. إن إعلانات الولاء والتفاني للأردن تبقى مجردة ونظرية في غياب الاحترام المطلق للقوانين.)
ولنا بعد ذلك كله (وكل ما قلناه كان على سبيل المثال لا الحصر) أن نسأل:
هل هذه الممارسات (المخالفة للقانون) في السلطة القضائية تعزز المنعة في مواجهة التحديات بثقة وصلابة وتحقق النمو والازدهار كما أراد جلالة الملك؟
هل هذه الممارسات (المخالفة للقانون) في السلطة القضائية تخدم المواطنين وتحمي حقوقهم كما أراد جلالة الملك؟
هل هذه الممارسات (المخالفة للقانون) في السلطة القضائية تُبنى عليها الديمقراطيات والاقتصادات المزدهرة والمجتمعات المنتجة كما أراد جلالة الملك؟
هل هذه الممارسات (المخالفة للقانون) في السلطة القضائية ضامنة للحقوق الفردية والعامة كما أراد جلالة الملك؟
هل هذه الممارسات (المخالفة للقانون) في السلطة القضائية تنبي مجتمعاً آمناً وعادلاً كما أراد جلالة الملك؟
هل هذه الممارسات (المخالفة للقانون) في السلطة القضائية تعتبر احتراماً مطلقاً للقانون كما أراد جلالة الملك؟
ألا تعتبر هذه الممارسات (المخالفة للقانون) في السلطة القضائية انتهاكاً صارخاً لحقوق الانسان وللقانون وللاتفاقيات والمواثيق الدولية على نحو ما تقدم بيانه؟