بمطالعة الجرائم الواردة في المادة (7) من قانون الدفاع رقم (13) لسنة 1992- ومن ضمنها جريمة مخالفة أوامر حظر التنقل والتجوال التي تم ذكرها في أمر الدفاع رقم (3) لسنة 2020، يتضح أن جميع هذه الجرائم هي جرائم من نوع الجنح لأن عقوباتها تقتصر على الحبس والغرامة وبغض النظر عن مدة الحبس ومقدار الغرامة، ومن المسلم به في قانون العقوبات الذي يعتبر الشريعة العامة لكافة القوانين الجزائية الخاصة ومن ضمنها قانون الدفاع أن الجريمة التي تكون عقوبتها الحبس تعتبر جريمة من نوع الجنح وفقاً لنص المادتين (55،15) من قانون العقوبات، وبالبناء على ذلك فإن جميع الجرائم الواردة في قانون الدفاع هي جرائم من نوع الجنح دون اجتهاد في مورد النص.
ولكن التساؤل الذي يُطرح في هذه المرحلة (مرحلة تطبيق قانون الدفاع) هو- ماذا لو تم ارتكاب جنحة مخالفة أوامر حظر التنقل والتجوال من قبل أحد أعضاء مجلس النواب- فهل يتمتع هذا النائب بالحصانة أم يجوز القبض عليه وتوقيفه ومحاكمته دون أن تُرفع عنه الحصانة من قبل أعضاء مجلس النواب؟
بهذا الشأن جاءت المادة (86/1) من الدستور الأردني لتنص على أنه: (لا يوقف أحد أعضاء مجلسي الأعيان والنواب ولا يحاكم خلال مدة اجتماع المجلس ما لم يصدر من المجلس الذي هو منتسب إليه قرار بالأكثرية المطلقة بوجود سبب كافٍ لتوقيفه أو لمحاكمته أو ما لم يقبض عليه في حالة التلبس بجريمة جنائية، وفي حالة القبض عليه بهذه الصورة يجب إعلام المجلس بذلك فوراً).
يتضح من البيان الدستوري الوارد في (86/1) السالفة الذكر بأنه لا يجوز توقيف أو محاكمة أي عضو من أعضاء مجلس الأمة خلال إنعقاد المجلس إلا في حالتين، تتمثل الأولى بصدور قرار من الأكثرية المطلقة من أعضاء المجلس الذي ينتمي إليه العضو بوجود سبب كافٍ لتوقيفه أو محاكمته عن جريمة معينة وبغض النظرعن نوع هذه الجريمة وطبيعتها، وتتمثل الحالة الثانية بالقبض على عضو مجلس الأمة أثناء التلبس بجريمة جنائية.
وبتقديرنا أنه لا يجوز القبض على النائب أثناء إنعقاد المجلس أو توقيفه أو محاكمته بسبب ارتكاب جنحة مخالفة أوامر حظر التنقل والتجوال خلافاً لأمر الدفاع رقم (3) لسنة 2020 إلا بعد رفع الحصانة عنه بقرار من الأكثرية المطلقة من أعضاء مجلس النواب، ولا يجوز كذلك اعتبار هذا النائب في حالة تلبس بجريمة جنائية، لأنه وبحسب تقديرنا يقصد بعبارة (جريمة جنائية) الواردة في المادة (86/1) من الدستور تلك الجريمة التي تكون من نوع الجناية وليس من نوع الجنحة، ونجد سندنا بهذا التفسير في الكثير من نصوص قانون العقوبات الذي يعتبر بمثابة الشريعة العامة التي يتم الرجوع إليها في تفسير العبارات الغامضة ذات الطابع الجنائي الواردة في التشريعات الأخرى، وهذا المنهج التفسيري يتفق مع “المنهج البنيوي المتكامل في التفسير” والذي يُعتبر أحد المناهج المتبعة في تفسير النصوص القانونية بشكلٍ عام، ومن ضمنها النصوص الدستورية، وبعبارة أخرى يمكن بمقتضى هذ المنهج تفسير نصوص الدستور من خلال جميع القواعد القانونية سواءً أكانت الدستورية أم قواعد القانون العادي.
وبالعودة إلى نصوص قانون العقوبات الأردني فإننا نجدها حينما تشير أو تذكر كلمة (جنائية) فإنها تقابلها بشكلٍ مباشرٍ وصريح بكلمة (جنحة) – وذلك للتفرقة بينهما مع إعطاء كلمة (جنائية) مدلول الجرائم التي هي من نوع (الجناية) فقط، فعلى سبيل المثال قضت المادة (47) من قانون العقوبات بأنه يترتب على إعادة الاعتبار سقوط الحكم القاضي بالإدانة في أي جريمة جنائية أو جنحية، وقالت المادة (55) من ذات القانون صراحةً أن الجريمة تكون جناية أو جنحة أو مخالفة حسبما يعاقب عليها بعقوبة جنائية أو جنحية أو مخالفة، ، وهذا ما أشار إليه قانون العقوبات في الكثير من مواده ومنها على سبيل المثال المواد(15،17،23،101).
وخلاصة القول أنه لا يجوز وفقا لأحكام المادة(86/1) من الدستور الأردني القبض على أي نائب في مجلس النواب أو توقيفه أو محاكمته أثناء إنعقاد المجلس بسبب ارتكابه جنحة مخالفة أوامر حظر التنقل والتجوال خلافاً لأمر الدفاع رقم (3 ) لسنة 2020 إلا بعد رفع الحصانة عنه بقرار من الأكثرية المطلقة من أعضاء مجلس النواب، ولا يجوز كذلك اعتبار هذا النائب في حالة تلبس بجريمة جنائية ، لأن مخالفة أوامر حظر التنقل والتجوال هي جريمة من نوع الجنح.
والله ما وراء القصد
د. عبدالله ابو حجيلة