هل هناك خطأ هيكلي في بناء النظام القضائي الأردني؟
القانون منح المجلس القضائي الأردني اختصاص تعيين القاضي وتعيين الخصم معاً!!
أولا: تتكون السلطة القضائية في الأردن من المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتتولى هذه المحاكم وظيفة الفصل في النزاعات بين الأشخاص من خلال تطبيق القانون لتحقيق العدالة، ويتولى القضاة في المحاكم وظيفة تطبيق القانون وتحقيق العدالة من خلال ترؤس جلسات المحكمة، وسماع الأدلة والوقائع، وتفسير القوانين، وإصدار أحكام نهائية لفض النزاعات بين الأطراف، ويجب على القاضي أن يقوم بدور محكم محايد ونزيه لضمان تطبيق القانون بشكل عادل، وعليه أن يشرف على الإجراءات القانونية وأن يتخذ قرارات تستند إلى القوانين المعمول بها والسوابق القضائية.
ثانياً: تقضي المواد (27) و (97) من الدستور والمادة (3) من قانون استقلال القضاء بأن السلطة القضائية والقضاء والقضاة مستقلون ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون.
ثالثاً: وتقضي المادة (98) من الدستور بأن يُنشأ بقانون مجلس قضائي يتولى جميع الشؤون المتعلقة بالقضاة النظاميين، ويكون للمجلس القضائي وحده حق تعيين القضاة النظاميين وفق أحكام القانون وبإرادة ملكية.
رابعاً: ولما كانت وظيفة القاضي هي الفصل في النزاعات بين الأشخاص من خلال تطبيق القانون لتحقيق العدالة، وسماع الأدلة والوقائع، وتفسير القوانين، وإصدار أحكام نهائية لفض النزاعات بين الأطراف، وأن يقوم بدور محكم محايد ونزيه لضمان تطبيق القانون بشكل عادل، فلماذا يقوم المشرع بتكليف القاضي بالقيام بوظائف أخرى تتضارب مع وظيفته واستقلاله وحياديته المتملثة بوظائف النيابة العامة والمدعي العام لدى المحاكم النظامية والنيابة العامة الادارية لدى المحاكم الادارية؟؟
خامساً: إن وظيفة النيابة العامة والمدعي العام هي تمثيل المجتمع في النظام القضائي (محامي المجتمع) من خلال قيادة التحقيقات الجنائية وملاحقة الأفراد المتهمين بارتكاب الجرائم، ويعمل المدعي العام على حماية حقوق الجمهور وسيادة القانون، ويقوم بتوجيه الشرطة، ورفع الدعاوى القضائية، والادعاء أمام المحاكم، والمرافعة ضد المتهمين، وبالتالي فإن وظيفة المدعي العام هي وظيفة مختلفة عن وظيفة القاضي، لا بل يعتبر المدعي العام (محامي المجتمع) أي أنه أحد اطراف الخصومة الذين يقفون أمام القاضي جنباً إلى جنب المتهم (الخصم الآخر)، وكلاهما (المدعي العام والمتهم) يعتبران على طرفي نقيض ومتنازعان ويطلبان الاحتكام لحكم القاضي الذي يفترض فيه الحياد والنزاهة وعدم الميل لأحد الخصوم الماثلين أمامه.
سادساً: إن وظيفة النيابة العامة الادارية هي تمثيل الجهات الحكومية والرسمية أمام المحاكم الادارية والدفاع والمرافعة عنها في مواجهة الاشخاص (أي أنه محامي الحكومة والجهات الرسمية)، وبالتالي فإن وظيفة ممثل النيابة العامة الادارية هي وظيفة مختلفة عن وظيفة القاضي الاداري، فممثل النيابة العامة الادارية يعتبر (محامي الحكومة والجهات الرسمية) أي أنه أحد اطراف الخصومة الذين يقفون أمام القاضي جنباً إلى جنب المستدعي (الخصم الآخر)، وكلاهما (ممثل النيابة العامة الادارية والمستدعي) يعتبران على طرفي نقيض ومتنازعان ويطلبان الاحتكام لحكم القاضي الذي يفترض فيه الحياد والنزاهة وعدم الميل لأحد الخصوم الماثلين أمامه.
سابعاً: إن المجلس القضائي هو الذي يُعين الحكم والخصم في ذات الوقت؛ فهو الجهة التي تقوم بتعيين النائب العام والمدعي العام (محامي المجتمع)، وهو ذات الجهة التي تقوم بتعيين ممثل النيابة العامة الادارية (محامي الجهات الحكومية والرسمية)، وهو ذات الجهة التي تقوم بتعيين القضاة الذين يفصلون في النزاعات التي يكون فيها (محامي المجتمع) و (محامي الجهات الحكومية والرسمية) طرفاً فيها، فهل هذا الأمر يحقق العدالة والانصاف والحياد والنزاهة والاستقلال؟؟ خصوصاً إذا علمنا أنه من الممكن للشخص الذي عينه المجلس القضائي قاضياً أن يُعينه نفسه بعد ذلك مدعياً عاماً أو نائباً عاماً أو رئيساً للنيابة العامة العامة أو مساعداً لهم أو رئيساً للنيابة العامة الادارية أو مساعداً له، وأن يعيد تعيينه قاضياً مرة أخرى … وهكذا.
ثامناً: لقد كان فيما مضى من يمثل الحكومة في الدعوى أمام المحاكم النظامية شخص يسمى (المحامي العام المدني)، وهو قاض ويعينه في هذه الوظيفة المجلس القضائي، ولكن أجاد المشرع عندما أنشأ (قانون إدارة قضايا الدولة رقم 28 لسنة 2017) الذي أستحدث بموجبه في وزارة العدل دائرة تسمى (دارة إدارة قضايا الدولة) تتكون من الوكيل العام ومن عدد من الوكلاء بحسب ما تقتضيه الحاجة ويقوم أي منهم مقام الآخر فيما يتولاه من دعاوى وما يقوم به من إجراءات، ويعينون من قبل مجلس الوزراء (بالنسبة للوكيل العام) أو مجلس إدارة قضايا الدولة (بالنسبة للوكلاء)، أي أنهم موظفون حكوميون تابعون وظيفياً للسلطة التنفيذية وليسوا قضاة تابعين وظيفياً للسلطة القضائية والمجلس القضائي، وهذا الأمر الجديد ينسجم مع مبادئ استقلال القضاء والقضاة والحياد والنزاهة.
تاسعاً: إن ما نتطلع إليه الآن وما يتبغي فعله هو إعادة هيكلة النظام القضائي الأردني بأن يقوم المشرع بإجراء تعديلات على القوانين الحالية وإنشاء تشريعات جديدة تقضي بفصل وظائف النيابة العامة والمدعي العام والنيابة العامة الادارية والنيابة العامة الضريبية والنيابة العامة الجمركية والنيابة العامة في البلديات عضوياً عن وظيفة القاضي، وينبغي أن لا يعينهم المجلس القضائي أو يتدخل في شؤونهم، وينبغي أن يكونوا تابعين وظيفياً وعضوياً لوزارة العدل وذلك بإنشاء دائرة أو أكثر في وزارة العدل يتولاها موظفون حكوميون يسمون مثلاً (رئيس نيابة ووكلاء نيابة أو مدعي عامين أو نحو ذلك) وظيفتهم هي تمثيل المجتمع في النظام القضائي (محامي المجتمع) من خلال قيادة التحقيقات الجنائية وملاحقة الأفراد المتهمين بارتكاب الجرائم، ويعملون على حماية حقوق الجمهور وسيادة القانون، ويقومون بتوجيه الشرطة، ورفع الدعاوى القضائية، والادعاء أمام المحاكم، والمرافعة ضد المتهمين، وموظفون حكوميون يسمون مثلاً (رئيس نيابة إدارية ووكلاء نيابة إدارية أو وكلاء نيابة ضريبيين أو وكلاء نيابة جمركيين أو مدعي عام بلدية أو نحو ذلك) وظيفتهم هي تمثيل الجهات الحكومية والرسمية والمجتمع أمام المحاكم الادارية والضريبية والجمركية والبلديات والدفاع والمرافعة عنها في مواجهة الاشخاص (أي أنه محامي الحكومة والجهات الرسمية والمجتمع).
مركز إحقاق للدرسات القانونية