أولاً: تقضي المادة (12) من قانون أصول المحاكمات الجزائية بأن يرأس النيابة العامة لدى محكمة التمييز موظف يدعى (رئيس النيابة العامة) يعاونه مساعد أو أكثر حسبما تدعو إليه الحاجة.
ثانياً: وتقضي المادة (273) من ذات القانون بأن يكون التمييز من حق رئيس النيابة العامة، وأيضاً من حق المحكوم عليه ومن حق المسؤول بالمال ومن حق المدعي الشخصي فيما يتعلق بالالزامات المدنية دون ما سواها، ومن حق النائب العام.
ثالثاً: وتقضي المادة (291) من ذات القانون أنه إذا تلقى رئيس النيابة العامة أمراً خطياً من وزير العدل بعرض إضبارة دعوى على محكمة التمييز لوقوع إجراء فيها مخالف للقانون أو لصدور حكم أو قرار فيها مخالف للقانون، وكان الحكم أو القرار مكتسب الدرجة القطعية ولم يسبق لمحكمة التمييز التدقيق في الاجراء أو الحكم أو القرار المطعون فيه، فعلى رئيس النيابة العامة أن يقدم الاضبارة إلى محكمة التمييز مرفق بها أمر الوزير الخطي وأن يطلب بالاستناد إلى الاسباب الواردة فيه إبطال الاجراء أو نقض الحكم أو القرار.
رابعاً: يتبين من نص المادة (291) من قانون أصول المحاكمات الجزائية أن هذه المادة قد منحت وزير العدل سلطة إصدار أمر خطي لرئيس النيابة العامة لعرض اضبارة دعوى على محكمة التمييز، ولكن هذه السلطة الممنوحة لوزير العدل ليست سلطة مطلقة بل هي سلطة مقيدة بتوافر الشروط التالية:
- وقوع إجراء مخالف للقانون في القضية أو صدور حكم أو قرار فيها مخالف للقانون.
- أن يكون الحكم أو القرار مكتسب الدرجة القطعية.
- لم يسبق لمحكمة التمييز التدقيق في الاجراء أو الحكم أو القرار المطعون فيه.
خامساً: يستفاد ضمناً من النصوص القانونية السابقة أن وزير العدل يملك وحده سلطة إصدار أمر خطي لرئيس النيابة العامة لعرض اضبارة دعوى على محكمة التمييز إما من تلقاء نفسه أو بناءاً على طلب أو استدعاء من قبل ذوي شأن من مثل المحكوم عليه او المسؤول بالمال على سبيل المثال لا الحصر.
سادساً: يستفاد ضمناً من النصوص القانونية السابقة أنه إذا قُدم لوزير العدل استدعاء من قبل المحكوم عليه مثلا يبين فيه أنه قد صدر بحقه حكم ويبين فيه أن هذا الحكم تضمن مخالفة للقانون ويبين فيه أن هذا الحكم مكتسب الدرجة القطعية ولم يسبق لمحكمة التمييز التدقيق فيه، ففي مثل هذه الحالة فإنه يتوجب على وزير العدل أن يستعمل سلطته التي منحها إياه القانون بأن يصدر أمراً خطياً لرئيس النيابة العامة لعرض اضبارة هذه الدعوى على محكمة التمييز، وبالتالي يتوجب على رئيس النيابة العامة أن يقدم ملف هذه الدعوى إلى محكمة التمييز مرفق به أمر وزير العدل الخطي وأن يطلب بالاستناد إلى الاسباب الواردة في الأمر نقض الحكم المخالف للقانون.
سابعاً: يستفاد ضمناً من النصوص القانونية السابقة ومن الأحكام الواردة في قانون محاكمة الوزراء أن وزير العدل إذا ورده استدعاء من قبل المحكوم عليه مثلا يبين فيه أنه قد صدر بحقه حكم ويبين فيه أن هذا الحكم تضمن مخالفة للقانون ويبين فيه أن هذا الحكم مكتسب الدرجة القطعية ولم يسبق لمحكمة التمييز التدقيق فيه، ورغم توافر كل هذه الشروط لم يستعمل وزير العدل سلطته التي منحها إياه القانون بأن يصدر أمراً خطياً لرئيس النيابة العامة لعرض اضبارة هذه الدعوى على محكمة التمييز، ففي هذه الحالة يعتبر وزير العدل قد أساء استعمال السلطة التي منحها إياه القانون، وهذا الامتناع عن الفعل يعد جريمة (جريمة إخلال وتهاون بالواجبات الوظيفية) يعاقب عليها قانون محاكمة الوزراء.
ثامناً: إن من حق المستدعي الذي قدم لوزير استدعاء يبين فيه أنه قد صدر بحقه حكم ويبين فيه أن هذا الحكم تضمن مخالفة للقانون ويبين فيه أن هذا الحكم مكتسب الدرجة القطعية ولم يسبق لمحكمة التمييز التدقيق فيه، ورغم ذلك كله لم يوافق وزير العدل على هذا الاستدعاء، فإن من واجب وزير العدل أن يبين له (للمستدعي) سبب أو أسباب عدم الموافقة على استدعائه وذلك عملاً بمبادئ الشفافية والنزاهة والحياد والحوكمة الرشيدة بالاضافة إلى مقتضيات أحكام القانون والعهود والمواثيق الدولية التي تعنى بحقوق الانسان والمواطن والحقوق السياسية، وعدم الرد (الرفض الضمني) أو عدم بيان أسباب الرفض يعد استهتاراً واخلالاً بحقوق الانسان المشار إليها، ويعد من قبيل قيام الوزير بسلطته على أساس الهوى والمزاج، لا على أساس المحافظة على قيم العدالة والمحافظة على المصلحة العامة وحماية الحقوق العامة.
المحامي إسلام الحرحشي
مدير مركز إحقاق للدراسات القانونية