في مطالعة قانونية بخصوص الأفكار المتعلقة بالديمقراطية وبالحكومات البرلمانية التي طرحها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في أوراقه النقاشية، قال المحامي إسلام الحرحشي مدير مركز إحقاق للدراسات القانونية ما يلي:
أولاً: أطلق جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين عدة أوراق نقاشية، وكانت الاوراق الخمسة الاولى منها متعلقة بموضوع الديمقراطية، فالورقة النقاشية الأولى أطلقت بتاريخ (29/12/2012) بعنوان (مسيرتنا نحو بناء الديمقراطية المتجددة)، والثانية أطلقت بتاريخ (16/1/2013) بعنوان (تطوير نظامنا الديمقراطي لخدمة جميع الأردنيين)، والثالثة أطلقت بتاريخ (2/3/2013) بعنوان (أدوار تنتظرنا لنجاح ديمقراطيتنا المتجددة)، والرابعة أطلقت بتاريخ (2/6/2013) بعنوان (نحو تمكين ديمقراطي ومواطنة فاعلة)، والخامسة أطلقت بتاريخ (13/9/2014) بعنوان (تعميق التحول الديمقراطي: الأهداف، والمنجزات، والأعراف السياسية)
ثانياً: قال جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في الورقة النقاشية الخامسة:
(شرعت، قبل نحو سنتين، في المساهمة في النقاش الوطني الدائر حول عملية الإصلاح عبر سلسلة من الأوراق النقاشية. وقمت من خلال الأوراق النقاشية الأربعة الأولى بإيجاز رؤيتنا الإصلاحية وهدفها النهائي المتمثل في ديمقراطية أردنية متجددة وحيوية تقوم على ثلاث ركائز، وهي: ترسيخ متدرج لنهج الحكومات البرلمانية، تحت مظلة الملكية الدستورية، معززا بمشاركة شعبية فاعلة أو ما وصفته بـ “المواطنة الفاعلة”).
وقال جلالته أيضاً في تلك الورقة:
(ولنتذكّر جميعا أيضاً بأن الهدف النهائي لعملية الإصلاح السياسي النابعة من الداخل يترجم من خلال تمكين المواطنين من القيام بأكبر دور ممكن في صنع القرار عبر ممثليهم المنتخبين. وعليه، فإن تعميق ديمقراطيتنا يترجم عملياً عبر تعميق تجربة الحكومات البرلمانية، لنصل بها إلى مرحلة متقدمة من الممارسة التي تتولى فيها الكتلة الحزبية أو الإئتلافية ذات الأغلبية النيابية، أو ائتلاف من الكتل، تشكيل الحكومات، في حين تتولى الأقلية النيابية مهام حكومة الظل، من رقابة على الحكومات ومساءلتها، وتقديم برامج بديلة، وضمان التداول الديمقراطي للحكومات.)
وقال جلالته أيضاً في تلك الورقة:
(في ظل كل ما تقدّم، فلا بد من الإشارة هنا إلى أنه ما زال أمامنا الكثير من العمل لبناء ديمقراطية مكتملة العناصر، وتحقيق هدفنا النهائي المتمثل في الحكومات البرلمانية الناضجة. وآمل أن يكون ما عرضته في هذه الورقة لنموذجنا الإصلاحي ولمحطات الإنجاز التي قطعناها قد أوضح كيف يجب أن نمضي في الإصلاح ضمن مسارات متوازية ومترابطة، وأن يمنحنا الثقة والحافز لتحقيق المزيد من الإصلاحات وإنجاز محطات إصلاحية قادمة ضمن مسارنا الديموقراطي.)
ثالثا: لقد بَيَّن جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في أوراقه النقاشية الخمس الأولى أن هدف الدولة الاصلاحي ما زال أمامنا الكثير من العمل لتحقيقه وهو بناء ديمقراطية مكتملة العناصر هدفها النهائية إيجاد الحكومات البرلمانية، وقد تكرر مصطلح الحكومات البرلمانية في الأوراق النقاشية الخمسة الأولى نحو ثلاثين مرة، ولكن جلالته لم يُبَيّن لنا ما حقيقة نظام الحكم السياسي في المملكة الأردنية الهاشمية إن لم يكن ديمقراطياً، فما هو؟؟ وإن لم تكن الحكومات الحالية هي حكومات برلمانية، فما هي؟؟
رابعاً، وإثراءاً لباب النقاش في هذه الأوراق النقاشية نود أن نُبَيّن بعض الأمور التي من الضروري أن تكون واضحة وجلية، فحل المشكلة يبدأ بتشخيص أسبابها، فالتشخيص السليم يعتبر نصف الحل إن لم يكن أكثر.
خامساً: إن طرق واجراءات تعيين الحكومات في الدول تختلف باختلاف شكل نظام الحكم الذي تتبناه تلك الدول، ومن هذه الأنظمة ما هي أنظمة حكم ديمقراطية ومنها ما هي أنظمة حكم غير ديمقراطية، فإذا كانت سلطة تشكيل الحكومة بيد الشعب بشكل مباشر أو غير مباشر (مجلس منتخب من الشعب) كان نظام الحكم هذا ديمقراطياً، وإذا كانت سلطة تشكيل الحكومة ليست بيد الشعب بشكل مباشر أو غير مباشر عندها لا يمكن اعتبار نظام الحكم هذا نظاماً ديمقراطياً.
سادساً: في الأردن وبحسب الدستور الأردني نجد أن المادة (35) منه تنص صراحة على ما يلي:
(الملك يعين رئيس الوزراء ويقيله ويقبل استقالته ويعين الوزراء ويقيلهم ويقبل استقالتهم بناء على تنسيب رئيس الوزراء).
أي أن سلطة تشكيل الحكومة بحسب الدستور هي بيد جلالة الملك، فلجلالته وحده سلطة مطلقة في تعيين رئيس الوزراء، ولجلالته وحده سلطة مطلقة في إقالته، ولجلالته وحده سلطة مطلقة في قبول استقالته، ولجلالته وحده سلطة مطلقة في تعيين وإقالة وقبول استقالة الوزراء بناء على تنسيب رئيس الوزراء الذي لجلالته وحده سلطة مطلقة في تعيينه وإقالته وقبول استقالته، وجلالة الملك هو الذي يحدد للحكومات مهامها وأعمالها من خلال كتاب التكليف السامي الذي يعتبر دستور هذه الحكومات وعليها تنفيذه، وبالتالي فإنه لا سلطة للشعب في تعيين رئيس الوزراء والوزراء وإقالتهم وقبول استقالاتهم.
سابعاً: إن مجالس النواب التي يتم انتخابها مباشرة – بموجب الدستور والقانون – من قبل الشعب، والتي لها بموجب الدستور حق طرح الثقة بالحكومات، والتي من المفترض أنها تعبر عن إرادة الشعب، هذه المجالس – وبموجب الدستور – لجلالة الملك وحده سلطة مطلقة تعطيه الحق بحلها دون بيان الاسباب ودون تعقيب، وهذا الحق أقره الدستور بموجب الفقرة (3) من المادة (34) من الدستور التي تنص صراحة على ما يلي: (للملك ان يحل مجلس النواب)، وبالتالي فإن إرادة جلالة الملك مقدمة على إرادة مجالس النواب التي من المفترض أنها معبرة عن إرادة الشعب.
ثامناً: إن نص المادة (35) ونص الفقرة (3) من المادة (34) الواردة اعلاه تبين وبشكل واضح وجلي أن المملكة الأردنية الهاشمية قد تبنت وبموجب الدستور نظام حكم غير ديمقراطي، السلطة فيه ليست بيد الشعب، ولكن السطلة فيه بيد جلالة الملك الذي بيده السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وله الولاية العامة في الدولة على هذه السلطات، وذلك رغم أن الأصل التاريخي للدستور الأردني هو الدستور البلجيكي الذي يتبنى نظام الحكم الديمقراطي البرلماني، فرأس الدولة في بلجيكا هو الملك ولكن الحكومات فيها هي حكومات برلمانية، فملك بلجيكا – بموجب الدستور البلجيكي – يُعيّن وجوباً من تختاره الاغلبية المطلقة في مجلس النواب رئيساً للوزراء، ولكن الوضع في الأردن مختلف تماماً، فواضعي الدستور في الاردن قاموا بتعديل على النصوص الدستورية في الدستور البلجيكي التي تنشئ السلطات العامة في الدولة وتوزع الاختصاصات فيما بينها، فغيروا بموجب هذه التعديلات شكل نظام الحكم من نظام حكم ديمقراطي برلماني (حكومات برلمانية) تحت ظل الملك (الدستور البلجيكي) إلى نظام حكم ملكي (الدستور الأردني).
تاسعاً: إذا أردنا أن نجعل السلطة بيد الشعب، وإذا أردنا أن نبني ديمقراطية مكتملة العناصر، وإذا أردنا تحقيق هدفنا النهائي المتمثل في الحكومات البرلمانية الناضجة، وإذا أردنا أن نخفف عبئ المسؤوليات الثقيلة والجسيمة والضغوطات عن عاتق جلالة الملك، فعلينا أن نعدل بعض نصوص المواد في الدستور الاردني وفي مقدمتها نص المادة (35) والفقرة (3) من المادة (34) وعلى النحو المقترح التالي:
نص المادة (35) المقترحة:
1. الملك يعين رئيس الوزراء ويقبل استقالته ويعين الوزراء ويقبل استقالتهم بناء على تنسيب رئيس الوزراء
2. الملك يكلف من تختاره الأغلبية المطلقة في مجلس النواب لرئاسة الوزراء.
3. الرئيس المكلف يقدم للملك أسماء الوزراء في حكومته خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ التكليف، وله الطلب من الملك تمديد المهلة إلى خمسة عشرة يوماً.
نص الفقرة (3) من المادة (34) المقترحة:
الملك يحل مجلس النواب إذا لم تتمكن الأغلبية المطلقة فيه من اختيار رئيس الوزراء (مع مراعاة حالات أخرى).