أكد الدستور الأردني في المادة السابعة على أن الحرية الشخصية مصونة، وفي المادة الثامنة أكد على انه لا يجوز أن يوقف أو يحبس شخص إلا وفقاً لأحكام القانون، ونص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة السابعة على أن كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة دون أي تفرقة، ونصت المادة التاسعة منه على انه لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً.
كل ما تقدم يؤيد حماية حق الحرية الشخصية للمواطن الأردني، لكن وبعد الاطلاع على تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان نرى أن عدد الموقوفين إدارياً عام 2018 بلغ (37683) وفي عام 2017 بلغ (34795) وعند التمعن بهذه الأرقام نجدها ارقاماً كبيرة، وخاصة أن صلاحيات الحاكم الإداري سواء المحافظ أو المتصرف تمارس صلاحية التوقيف الإداري استناداً إلى قانون منع الجرائم، والذي نجد فيه تجاوزاًُ على اختصاص القضاء حيث يقوم الحاكم الإداري بتوقيف أشخاص إدارياً لمدة قد تطول دون وجود ضوابط تساهم في الحد من ظاهرة التوقيف الإداري.
إن صلاحية التوقيف الإداري ثار خلاف كبيرٌ حول دستورية هذه الصلاحية، حيث يرى اغلب الفقه أنها صلاحيات قضائية تمنح للحكام الإداريين وهذا مخالف للدستور والذي منح صلاحية فض المنازعات للسلطة القضائية كونها الحامي للحقوق والحريات ولا أحد يستطيع التشكيك في أحكام القضاء.
ولوحظ في أوقات كثيرة قيام الحكام الإداريين بإعادة توقيف المطلوبين على قضايا بعد أن يكون قاضي الاختصاص قد أمر بالإفراج عنهم لعدم وجود مبرر لتوقيفهم وفي رأيي أن ذلك يشكل إخلالاً بمبدأ الفصل بين السلطات وتجاوزاً على اختصاص القضاء.
إن إعداد الموقوفين إدارياً التي تم توقيفهم وفق تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان يشكلون أيضاً عبء على ميزانية الدولة كون هذا الرقم والذي يقدر بالآلاف يحتاجون إلى رعاية وخدمات تقدم لهم بالرغم بان القضاء لم يجد مبرراً لإيقاف اغلبهم.
ومن هنا يجب أن توضع قيود على صلاحيات الحاكم الإداري في التوقيف وهنا أقترح أن يتم ذلك تدريجياً إلى حين إلغائها نهائياً ويتم ذلك إذا حصُر التوقيف الإداري في الجنايات الكبرى فقط. حتى لا يكون هناك تعسف في استعمال السلطات الممنوحة للحكام الإداريين، وتجدر الإشارة إلى أن التوقيف أمر قضائي حُصر بالقضاء ولا يجوز بأي حال منحه لأي سلطة أخرى وخاصة السلطة التنفيذية.
وتجدر الإشارة إلى أن قرار الحاكم الإداري بالتوقيف هو قرار إداري ذو اختصاص قضائي يدخل ضمن القرارات القابلة للطعن بها أمام القضاء الإداري بالإلغاء والتعويض ولكن المتتبع لأحكام المحكمة الإدارية في الأردن يجدها تخضع هذه القرارات لرقابتها ومنها القرار الصادر عن المحكمة الإدارية والذي نص على بأن إصدار مذكرة توقيف بحق الأشخاص الذين يشكلون تهديداً للأمن العام، أي تركهم دون قيد فيه خطر على حياة الناس وأمنهم، يعتبر من القرارات التي تخضع لرقابة القضاء الإداري الغاءً وتعويضاً، 543/2001،21/5/2001.
بالرغم مما ورد في القرار السابق نجد أن صلاحيات الحاكم الإداري واسعة في تقدير ظروف التوقيف وان المصطلحات الواردة في المادة 3/1 من قانون منع الجرائم…فأنه على وشك ارتكاب جرم أو المساعدة على ارتكابه هذا يخالف المبادئ الثابتة بأن يفسرالشك لصالح المتهم وان الأصل في الأحكام أن تبنى على اليقين وليس الشك.
بناء على ما تقدم نقترح التالي:
1) يجب إلغاء صلاحية الحاكم الإداري بالتوقيف الاداري المباشر تدريجياً وحصرها بشكل مبدأي بالجنايات الكبرى.
2) يجب أن يكون القرار الإداري بالتوقيف مسبباً بشكل كامل وواضح مما يساهم في مساعدة القضاء الإداري على فرض رقابته.
3) الطلب من مجلس النواب أو الأعيان عرض قانون منع الجرائم على المحكمة الدستورية للنظر في دستوريته.
4) أي قرار قضائي يقضي بالإفراج عن أي شخص لا يجوز بأي حال من الأحوال توقيفه إداريا احتراماً للقرارات القضائية.
الدكتور مدين جمال المحاسنة
أستاذ القانون الإداري المساعد-جامعة الإسراء