التزمات تمكن حبس المدين …
تحديد نطاق الالتزام التعاقدي وإمكانية حبس المدين بموجب قانون التنفيذ
نصت المادة (22/ و/1) من قانون التنفيذ على انه (لا يجوز حبس المدين إذا عجز عن الوفاء بالتزام تعاقدي باستثناء عقود إيجار العقار وعقود العمل) . يستلزم تحديد نطاق هذا الحكم بيان أساس الالتزام العقدي ومضمونه .ان سبب الالتزام العقدي هو الإرادة ، وتعد معيار التمييز بين الالتزامات العقدية وغير العقدية . وتحدد الإرادة مضمون العقد ، أي الالتزامات التي تنشغل بها ذمة المتعاقدين . فقد نصت المادة 213من القانون المدني الأردني على انه ( الاصل في العقد رضا المتعاقدين وما التزماه في التعاقد) . وعلى ذلك تأخذ الالتزامات الناشئة عن الإرادة المنفردة حكم العقد ، لان أساس الالتزام فيها الارادة كالوعد بالجائزة ، او ما ورد في المادة 60 من قانون أصول المدنية والتي ورد فيها التصرفات القانونية سواء أكانت عقدية تنشأ بإرادتين ام بإرادة منفردة ( أ. عقد صريح أو ضمني (كالبوليصة والكمبيالة أو الشيك مثلا)، أو ب. سند تعهد أو عقد مكتوب يقضي بدفع مبلغ من المال متفق عليه)
فالكمبيالة والشيك وسند التعهد يلتزم فيها المدين بإرادته الحرة المدركة ، وينشأ الالتزام عنها بإرادة منفردة. وعلى ذلك تسمى الالتزامات الارادية العقد والإرادة المنفردة بالتصرف القانوني ، لان جوهر الالتزام فيها الارادة ، تمييزا لها عن التصرفات غير الارادية كالفعل النافع او الفعل الضار التي تسمى بالواقعة المادية ، لان الإرادة والادراك لا يعتد بهما في الوقائع المادية، فيسأل الصغير غير المميز عن الضرر الذي يصيب الغير، ويعد من الالتزامات غير الارادية القانون . وبناء على ذلك ينحصر تطبيق ما ورد المادة بالمادة 22/و/1 على التصرفات القانونية العقد والإرادة والمنفردة ، باستثناء عقود ايجار العقار او عقود العمل.
لكن تحديد الالتزام العقدي لا ينتهي عند هذا الحد ، اذ انه قد يختلط بالعقود التي لم تكتمل او فسخت او انتهت ، واصدر القاضي قرارا بإعادة المتعاقدين للحالة التي كأنا فيها قبل التعاقد ، وسنعرض لبعض هذه الحالات وبيان ان الالتزامات الناشئة عنها تخرج من نطاق الالتزامات العقدية . ونعرض بعض الحالات على سبيل المثال ، لإتاحة الفرصة للباحثين والمختصين بالإضافة اليها او التوسع والتعمق فيها.
اولا:- العقد الباطل
يعد العقد الباطل هو والعدم سواء ، وهو واقعة مادية ولكل طرف استرداد ما نشأ عن هذه الواقعة ، فالبائع يسترد المبيع ، والمشتري يسترد الثمن استنادا لواقعة البطلان ، لان العقد لم يعد موجودا . وبالتالي لا يمكن وصف الالتزام في حالة البطلان انه ناشئ عن التزام عقدي.
ثانيا :- العقد الفاسد
يعد العقد فاسدا إذا لحقة سبب من اسباب الفساد ، فإذا لم يتم تصحيحه ينقض العقد ، ويلحق بالعقد الباطل . وفي هذه الحالة فإننا نكون بصدد واقعة مادية وهي البطلان . ولكل طرف من طرفي واقعة البطلان أن يسترد ما دفعة ، بيد انه لا يستند للعقد، لان العقد لم يعد موجودا ، وانما استنادا لواقعة القبض ، وبالتالي الالتزام لم ينشأ عن عقد وانما واقعة مادية .
ثالثاً :- الفسخ
يجوز لاحد طرفي العقد الذي نشأ التزامه عن تغرير مع غبن فاحش أو غلط ان يطلب فسخه ، او التزام موصوف ناشئ عن تصرف معلق على شرط فاسخ وتحقق الشرط ، او العقود المقترنة بالخيار كخيار العيب او الرؤية واختار صاحب الخيار الفسخ ، او اخذ القاضي بخيار الفسخ وفق المادة 246 من القانون المدني ، او أي تصرف قانوني قابل للفسخ وفق احكام القانون . فان المتعاقدين يعودا لمرحلة ما قبل التعاقد متى كان ذلك ممكنا. وبالتالي فان رجوع كل متعاقد على الاخر ، بدعوى الاسترداد يستند على دعوى الفعل النافع ، ولا يستند على دعوى عقدية .
ثالثا:- نقض العقد الموقوف
يعد العقد الموقوف صحيحاً ، ولكنه غير نافذ ، إذ يجوز نقضة لمن تقرر الوقف لمصلحته . فإذا انعدمت الولاية على المحل ، يحق للمالك نقض العقد كحالة بيع ملك الغير . اذا انعدمت الولاية على التصرف كألصغير المميز فله نقض العقد عند بلوغه سن الرشد او للولي او الوصي قبل ذلك . وكذلك الأمر بالعقد الذي شابة عيب الإكراه ، فيجوز للمكره بعد زوال الإكراه عنه نقضة . فالعقد بعد نقضه لم يعد قائما ، وان اساس الرجوع او الاسترداد هو واقعة مادية ، وليس تصرف قانوني .
رابعا:- مرحلة ما قبل التعاقد
قد لا تنتهي المفاوضات العقدية بين الطرفين الى ابرام العقد ، ولكن قد يصرح احدهما للأخر عن اسرار او معرفة فنية لغايات ابرام العقد . وقد يستغل الطرف الذي اطلع على السر او المعرفة الفنية او يفشيهما ، وقد يتضرر مالك المعرفة او السر التجاري بسبسب ذلك ، ويحتاج للرجوع بالتعويض عن الضرر على الطرف الذي تفاوض معه لإنشاء العقد . فان أساس الرجوع في هذه الحالة ، هو دعوى الفعل الضار وليس العقد ، لان العقد لم ينشأ ، ولم يرتب التزاما عقديا .
خامسا:- انتهاء العقد
عندما ينتهي العقد في العقود التي يعد الزمن عنصرا جوهريا فيها كعقد الايجار ، ويبقى المستأجر منتفعا بالمأجور ، فانه لا يلتزم بدفع بدل الايجار المحدد بمقتضى العقد . لان ما اتفقت عليه إرادة المتعاقدين من مدة الانتفاع بالمأجور ، وبدل الايجار ، انتهى بانتهاء مدة العقد . وبالتالي اوجب المشرع على المستأجر دفع اجر المثل لا بوصفة متعاقد ، لأنه لو وصف بالمتعاقد لدفع بدل الايجار المحدد بالعقد ، وانما بوصفه منتفع بالعقار . وللمؤجر الرجوع عليه بدعوى الفعل النافع او الفعل الضار حسب مقتضى الحال ، وليس بالدعوى العقدية . وبالتالي الالتزام بدفع اجر المثل ناشئ عن واقعة مادية ، وليس عن تصرف قانوني.
وعلى ذلك ، فان الفقه والاجتهاد القضائي يؤسس دعوى الرجوع في الحالات التي تم ذكرها بدعوى الفعل النافع ، او دعوى الفعل الضار بوصفة واقعة مادية ، وليس تصرفا قانونيا . وبالتالي فإنها تخرج من وصف الالتزام التعاقدي في حالة عدم الحبس بموجب المادة 22/و/1 . والحكم الذي يصدر بنتيجة الدعوى ، اذ يجوز الحبس فيها اذا زاد المبلغ عن خمسة الاف دينار ، لإنه لم يكن أساس الرجوع تصرف قانوني وانما واقعة مادية .
ويعد التمييز بين التصرف القانوني والوقعة المادية ، مسألة قانون لا مسألة واقع ، تحتاج لتمييزها من محكمة التمييز . وان اعتبار اي قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالقرارات الصادرة عن دوائر التنفيذ غير قابل للتمييز معضلة قانونية .وذلك في حالة اخطأ قاضي التنفيذ ، ورفض طلب الحبس ، وعد الالتزام ناشئا عن التزام تعاقدي . وبالتالي يحتاج الموضوع لمراجعة تشريعية وقضائية ، تسمح بتمييز هذه الاحكام .
بقلم: المحامي الدكتور محمد عبد الحراحشة