الحريات العامة في ظل قانون الدفاع الأردني
دراسة من إعداد المحامي محمد أحمد المجالي
مركز إحقاق للدراسات القانونية
المـقــــدمــــة
تعتبر منظومة حقوق الإنسان والحريات العامة من أهم الموضوعات التي تجد العناية والإهتمام في العصر الحديث من قبل المفكرين وفقهاء القانون والمنظمات الوطنية والدولية المهتمة بحقوق الإنسان بعد قرون طغت فيها الأنظمة الإستبدادية أو الكهنوتية وهمشت حقوق الأفراد والجماعات ووصلت في بعض الحالات إلى إستعباد البشر وإلغاء كرامتهم الإنسانية.
بعد الثورة الفرنسية بدأت كثير من الدول الإهتمام بالقيم الإنسانية والمدنية وتُعلي من شأن المواطنة المتساوية وحقوق وحريات الأفراد والجماعات وأخذت دساتير الدول التأكيد على هذه القيم الإنسانية وتأمر بمراعاتها في القوانين والأنظمة وتصونها ولا تسمح بالتجاوز عليها.
وعلى الرغم من أن حماية الحريات العامة أصبحت جزءاً من المنظومة التشريعية في الدولة الحديثة إلا أن هذه المنظومات التشريعية في حالات الطوارئ الإستثنائية التي قد تعصف بالدولة سمحت بتقييد هذه الحريات والحقوق لمواجهة الظروف الطارئة التي تهدد الأمن الوطني للدولة والمجتمع باعتبار أن مصلحة الدولة والأمة مقدّمة على مصلحة الأفراد والجماعات.
مشكلة البحث
إن اشكالية التنظيم القانوني لحالة الطوارئ ومدى إلتزام الحكومات بحدودها الضرورية دون التغّول على الحريات العامة تظهر أهميتها وحساسيتها في عالمنا العربي من خلال تطبيقاتها على أرض الواقع، حيث لا تلتزم الأنظمة السياسية بأصولها ومحدداتها وشروطها بل تتجاوزها على الأغلب وتستغلها لتعزيز قبضتها السياسية والأمنية على مقاليد السلطة على حساب الحريات العامة للأفراد والهيئات والقوى السياسية والإجتماعية في الدولة، وفي هذا السياق فإن تجربة حالة الطوارئ في الدولة الأردنية لم تكن ملتزمة تماماً بما قرره الدستور وقانون الدفاع وما هو مُتفق عليه في الفقه القانوني وليس أدلّ على ذلك من إستمرار حالة الطوارئ في الأردن لإكثر من اثنتين وخمسين سنة منذ العام 1939 ولغاية 1992م.
أهمية موضوع البحث
إن أهمية البحث في موضوع الحريات العامة في ظل قانون الدفاع تكمن في حساسية موضوع الحقوق والحريات العامة وتعلقها بالكرامة الإنسانية التي يجب صيانتها في الظروف الطبيعية والطارئة أيضاً. وللبحث في هذا الموضوع أيضاً أهمية خاصة من ناحية ثانية بسبب طول الفترة الزمنية التي رزح الأردن والأردنيون خلالها تحت وطأة حالة الطوارئ سيئة الصيت لدى غالبية الأردنيين وهذا يستدعي تسليط الضوء على هذه التجربة الطويلة وتقييمها من الناحية القانونية والواقعية في آنٍ معاً.
إن قلة الدراسات التي تعرضت لهذا الموضوع بشكل مفصل وتقييم التجربة القانونية والواقعية لحالة الطوارئ في المملكة الأردنية الهاشمية تُعطي أهمية إضافية لهذا البحث، وربما يفتح الطريق لمزيد من دراسات معمّقة لهذا الموضوع الحساس لبيان مدى ملاءمة التنظيم القانوني لحالة الطوارئ في الدستور وقانون الدفاع وتقييم سلوك السلطة التنفيذية أثناء العمل بهذا القانون ومدى التزامها بالمشروعية الاستثنائية التي مُنحت لها بموجب الدستور وقانون الدفاع.
وسنجري البحث وفق الخطة التالية :-
خطة البحث
– المبحث الأول : مفهوم حالة الطوارئ
– المطلب الأول : التنظيم القانوني لحالة الطوارئ
– المطلب الثاني : التنظيم القانوني لحالة الطوارئ في الأردن
قانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992
– المطلب الثالث: نطاق العمل بقانون الدفاع
• من حيث الأسباب
• من حيث الإختصاص
• من حيث الصلاحيات
• من حيث الزمان
• من حيث الرقابة
– المبحث الثاني : تأثير العمل بقانون الدفاع على الحريات العامة
– المطلب الأول : التعريف بالحريات العامة فقهاً وفي الدستور الأردني
– المطلب الثاني : تقييد الحريات العامة في ظل قانون الدفاع
– المطلب الثالث: ضمانات الحريات الأساسية في ظل قانون الدفاع
• ضمانة الدستور
• ضمانة البرلمان
• ضمانة ضمانة الرأي العام
• ضمانة الرقابة القضائية
• ضمانة المنظمات الدولية لحقوق الإنسان
المبحث الأول
المطلب الأول
مفهوم حالة الطوارئ
إن أوضاع أي دولة في العالم لا يمكن أن تستمر بشكل إعتيادي كل الوقت ، فطبيعة الحياة أن تمّر بها أوقات استثنائية طارئة تعكر صفو الرتابة الإعتيادية مثل التعرض لاعتداء خارجي أو تهديد جدّي به أو كوارث طبيعية أو أزمات داخلية تهدد الأمن والإستقرار للدولة والشعب.
وهذه الحالة الطارئة إذا حدثت تستلزم من السلطة القائمة في الدولة القيام بمسؤولياتها القانونية والأدبية بالتصدي للحالة الطارئة ومعالجتها واحتوائها والتخلص من آثارها بما تمتلكه من سلطة بموجب القوانين والأنظمة السارية في الدولة، ولكن غالباً ما تكون الحالات الطارئة والإستثنائية من الجسامة والخطورة بما لا يمكّن السلطة من القيام بواجباتها بالسرعة والكفاءة اللازمة وفق القوانين والأنظمة الإعتيادية والتي تحدد صلاحيات السلطة التنفيذية وتُقيدها لمنع تغولها على باقي السلطات في الدولة ولمنعها من التجاوز على الحقوق الأساسية والحريات العامة للأفراد والهيئات والجماعات سواءاً كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية.
ولأن مصلحة الدولة والأمة مقدمّة على مصالح الأفراد والهيئات خصوصاً في الظروف الطارئة والإستثنائية التي تهدد كيان الدولة والمجتمع بأفراده وهيئاته فكان لا بّد من إيجاد نظام قانوني يُمكّن الدولة من التعامل مع الظروف الطارئة ويُخول حكومة الدولة من اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لمواجهة حالة الطوارئ دون التقيّد بأحكام القوانين والأنظمة العادية أي باللجوء إلى منظومة قانونية استثنائية تعطيها من الصلاحيات ما يمكنها من التصدي ومواجهة الظروف الإستثنائية وهي ما اصطلح فقهاء القانون على تسميتها بحالة الطوارئ .
إن الفقه القانوني لم يجمع على تعريف موحّد لحالة الطوارئ إلا أن فقهاء القانون يتفقون على عناصر التشخيص القانوني لهذه الحالة في تعريفاتهم المختلفة ، فقد عرف الأستاذ ابراهيم الشربيني حالة الطوارئ بأنها ( مجموعة من تدابير استثنائية الغرض منها المحافظة على سلامة البلاد عند احتمال وقوع اعتداء مسلح عليها أو خطر قيام الإضطرابات أو الثورات الداخلية فيها بواسطة انشاء نظام إداري يجري تطبيقه في البلاد كلها أو بعضها ويكون قوامه بوجه خاصة بتركير مباشر السلطات لتحقيق استقرار الأمن بأوجز الوسائل وأقواها ) .
وعرف الدكتور زكريا محفوظ حالة الطوارئ بأنها ( نظام قانوني يتقرر بمقتضى قوانين دستورية عاجلة لحماية المصالح الوطنية ولا يُلجأ إليه إلا بصفة استثنائية ومؤقتة لمواجهة الظروف الطارئة التي تقصُر عنها الأداة الحكومية الشرعية وينتهي بانتهاء مسوغاته) .
إن نظام الطوارئ هو نظام قانوني يجيزه دستور الدولة كلما قامت أسبابه ومبرراته وأهمها تعرض الدولة لخطر يهدد أمنها وسلامتها وذلك لمواجهة هذا الخطر بتدابير استثنائية حددها قانون الطوارئ
ويمكننا أن نخلُص إلى أن حالة الطوارئ هي ظرف استثنائي يهدد أمن وسلامة الدولة تجيز للسلطة التنفيذية بموجب الدستور فرض نظام قانوني بشكل مؤقت يسمو على القوانين والأنظمة العادية إلى حين زوال مسوغات فرض هذا النظام.
وقد اتجهت الدساتير من ناحية كيفية التنظيم القانوني لحالة الطوارئ باتجاهين :-
أولاً: التنظيم القانوني المعاصر لحدوث حالة الطوارئ
ويعرف هذا الإتجاه بالإتجاه الإنكليزي حيث لا يكون لدى الدولة قانون طوارئ يسبق حدوث حالة الطوارئ الإستثنائية ويتم فرضه وإعلانه من قبل حكومة الدولة وإنما تقوم الحكومة باللجوء إلى البرلمان لإستصدار قانون للطوارئ يُحدد مسوغاته وحدود تطبيقه من حيث الزمان والمكان وصلاحيات السلطة التنفيذية الإستثنائية بموجب هذا القانون، وحجة مؤيدي هذا الإتجاه تتمثل في عدم إطلاق يد الحكومة في تقدير فرض حالة الطوارئ دون الرجوع للبرلمان ومنع السلطة التنفيذية من تجاوز حدود مواجهة حالة الطوارئ والإستبداد بالحكم وتهميش المعارضة وتحجيم الحريات أو قيام نوع من أنواع الدكتاتورية، ومن ناحية ثانية فإن حالة الطوارئ لا يمكن التنبؤ بها مسبقاً من حيث حجمها وخطورتها ومداها بشكل واضح وبالتالي لا يمكن الإعداد المسبق لمواجهة حالة طوارئ مستقبلية بشكل فعّال
وقد بقيت المملكة المتحدة على رأس الدول التي تأخد بهذا الإتجاه بعدم وجود قانون طوارئ جاهز للتطبيق عند حدوث حالة طوارئ إلى عام 1920م حيث صدر أول قانون دائم ينظم حالة الطوارئ حيث اكتشف الإنجليز بعد التجربة وبحكم خوض الدولة للحرب العالمية الأولى ومواجهة ظروف بالغة الخطورة انه من الأفضل لمواجهة صعوبات الظروف الطارئة وجود قانون مسبق دائم يعطي الحكومة صلاحيات واسعة في حال حدوث أزمات خطرة واستثنائية .
ثانياً: التنظيم القانوني السابق لحالة الطوارئ
ويعبر الفقهاء عن هذا الإتجاه بالإتجاه الفرنسي ويذهب إلى ضرورة وجود قانون سابق على حدوث حالة الطوارئ ووقوع الظرف الإستثنائي ويسمى قانون الطوارئ ، وحجة هذا الإتجاه أن وجود قانون طوارئ دائم وجاهز للتطبيق عند حدوث الظرف الإستثنائي يُمكّن الدولة مباشرةً من التصدي للحالة الطارئة دون تأخير ومن ناحية ثانية ويضمن عدم خروج السلطة التنفيذية عن نطاق القواعد المشروعية حتى في الأوقات الإستثنائية الطارئة، ومن الدول التي أخذت بهذا الإتجاه وأوجدت في نظامها القانوني قانون للطوارئ فرنسا ومصر وسوريا والأردن والتي أطلقت عليه اسم قانون الدفاع .
المطلب الثاني
التنظيم القانوني لحالة الطوارئ في الأردن
قانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992م
إن أول قانون للطوارئ في المملكة الأردنية الهاشمية هو قانون الدفاع عن شرق الأردن لسنة 1935م وصدر بموجب المادة (19) من القانون الأساسي لسنة 1928م وبقي هذا القانون سارياً في المملكة إلى حين الغائه وحلَ مكانه قانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992م والذي صدر بموجب المادة (124) من الدستور الأردني لسنة 1952م وهو القانون الذي سنقوم بدراسته في هذا البحث من خلال البنود التالية :-
أولاً : المبررات للإعلان عن العمل بقانون الدفاع
نص قانون الدفاع في المادة 2/ أ منه على الأسباب والمبررات لإعلان العمل بالقانون ويعتبر كل سبب منها حالة طارئة بمفردها إذا تحققت فإنها تشكل خطراً حقيقياً يهدد الأمن الوطني أو السلامة العامة وهي :-
1- وقوع حرب
2- أو قيام حالة تهدد بوقوعها
3- أو حدوث اضطرابات
4- أو فتنة داخلية مسلحة
5- أو كوارث عامة
6- أو انتشار آفة أو وباء
ثانياً: السلطة المختصة بإصدار الإعلان عن العمل بقانون الدفاع .
إن صلاحية الإعلان عن العمل بقانون الدفاع هي صلاحية لجلالة الملك وفق المادة 124 من الدستور ووفقاً للمادة 2/أ من قانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992م
إن الإعلان عن العمل بقانون الدفاع يتم عبر إرادة ملكية تصدر بناءاً على قرار من مجلس الوزراء، وتأتي أهمية النص على وجود قرار مسبق لمجلس الوزراء كون الملك وإن كان رأس الدولة وتُناط به السلطة التنفيذية إلا أنه يمارس هذه السلطة عن طريق وزرائه وفقاً للمادة (26) من الدستور وهو مصون من كل تبعة ومسؤولية وفقاً للمادة (30) من الدستور وبالتالي فإن مجلس الوزراء في كل الظروف والأحوال هو الذي يتحمل مسؤولية وتبعة اعلان حالة الطوارئ والعمل بقانون الدفاع وما يترتب على ذلك من آثار ومسؤوليات قانونية .
ثالثاً: نطاق العمل بقانون الدفاع من حيث المكان والزمان
أ- من حيث المكان : لقد أجاز قانون الدفاع في المادة (2/أ) منه اعلان العمل بالقانون في جميع أنحاء المملكة أو في منطقة منها وترك تحديد الصلاحية المكانية للسلطة التنفيذية بناءاً على واقع الحال والظرف الإستثنائي وطبيعته.
ب- من حيث الزمان : يبدأ العمل بقانون الدفاع من تاريخ الإعلان عن ذلك وفق ظاهر النص القانوني إذ لا يتصور أن يبدأ سريانه بتاريخ سابق على حالة الطوارئ أو بتاريخ لاحق مُستقبلاً، إذ أن مبرر صدور الإعلان هو وقوع حالة الطوارئ ووجوب اتخاد تدابير وإجراءات فورية لمواجهة الظروف الطارئة .
إلا أن كلا الدستور والقانون لم يحددا زمناً لإنتهاء العمل بقانون الدفاع ولم يلزم أي منهما السلطة التنفيذية بتحديد مدة محددة لسريان العمل بقانون الدفاع ولم يلزما الحكومة بعرض أو إعلام مجلس الأمة بأسباب ومبررات هذا الإجراء، ولم يعطِ الدستور أو القانون مجلس النواب الحق بتحديد مدة سريان العمل بقانون الدفاع مثلما هو الحال في التشريعات الفرنسية والمصرية. وبذلك فإن مدة العمل بقانون الدفاع متروك أمر تحديدها لتقدير السلطة التنفيذية مهما طالت هذه المدة وهذا أمر يُعيب التنظيم القانوني لحالة الطوارئ في الأردن، حيث يصبح قانون الدفاع وصلاحيات الحكومة بموجبه سيفاً مسلطاً على القوى السياسية والإجتماعية والأفراد وحرياتهم لمدة غير محددة، والتجربة السابقة خير دليل على ما نقول إذ بقيت البلاد ترزح تحت وطأة قانون حالة الطوارئ منذ عام 1939م بموجب قانون الدفاع لسنة 1935 ولغاية إلغائة في العام 1992م بصدور قانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992م.
لقد نصت الفقرة ج من المادة (2) من قانون الدفاع على كيفية وقف العمل بقانون الدفاع وهي بذات الكيفية التي أعلن عن العمل به أي بإرادة ملكية تصدر بناءً على قرار من مجلس الوزراء ويفترض عقلاً ومنطقاً أن يكون ذلك فور انتهاء مسوغات ومبررات اعلان العمل بهذا القانون ابتداءاً .
رابعاً : السلطة المختصة في حالة الطوارئ وصلاحيتها
بموجب المادة (3/أ) من قانون الطوارئ فقد أسندت صلاحية تطبيق القانون برئيس الوزراء بموجب أوامر خطية وبموجب المادة (4) منه حدد القانون صلاحيات رئيس الوزراء بما يلي :-
أ- وضع القيود على حرية الأشخاص في حال الإجتماع والإنتقال والإقامة وإلقاء القبض على المشتبه بهم أو الخطرين على الأمن الوطني والنظام العام واعتقالهم .
ب- تكليف أي شخص بالقيام بأي عمل أو أداء خدمة ضمن قدرته.
ج- تفتيش الأشخاص والأماكن والمركبات دون التقيد بأحكام أي قانون آخر والأمر باستعمال القوة المناسبة في حال الممانعة.
د- وضع اليد على الأموال المنقولة وغير المنقولة وتأجيل الوفاء بالدين والإلتزامات المستحقة
هـ- منع أو حصر أو تقييد أو استيراد المواد أوتصديرها أو نقلها من مكان إلى آخر وتحديد التعامل بها ….
و- الإستيلاء أي أرض أو بناء أو طريق أو مصدر من مصادر المياه والطاقة…
ز- إخلاء بعض الأماكن أو عزلها وفرض منع التجول فيها .
ح- تحديد مواعيد فتح المحلات العامة وإغلاقها كلها أو بعضها
ط- تنظيم وسائل النقل والمواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة وإغلاق أي طريق أو ممر أو مجرى مياه أو تغيير اتجاهه ومنع حركة السير عليه أو تنظيمها .
ي- منع أخذ صور أو عمل تصاميم أو خرائط لأي مكان أي شيء بعينه…
ك- مراقبة الرسائل والصحف والمطبوعات والنشرات والرسومات وجميع وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وتعطيلها وإغلاق أماكن إعدادها
ل- إلغاء رخص الأسلحة النارية والذخائر والمفرقعات والمواد القابلة للإنفجار …
م- منع صنع أجهزة الإتصال أو بيعها أو شرائها أو صيانتها والأمر بتسليمها وضبطها.
ومن هذه الصلاحيات يتبين أن سلطة رئيس الوزراء في حالة الطوارئ سلطة واسعة جداً تتناول جميع مناحي الحياة السياسية والإجتماعية والخاصة للأفراد والهيئات وفي حال تجاوز حدود معالجة حالة الطوارئ التي يجب أن تقدر بقدرها فإنها هذه الصلاحيات تشكل اعتداء صارخاً على الحريات الأساسية والعامة وحقوق الإنسان وسيفاً مسلطاً على القوى السياسية والإجتماعية في الدولة .
ولرئيس الوزراء أيضاً بموجب الفقرة ج من المادة (3) من القانون تفويض جميع صلاحياته أو بعضها لمن يراه أهلاً للقيام بذلك، وإن عبارة (لمن يراه أهلاً بذلك) عبارة مطلقة وغير منضبطة وغير مشروطة إذ إنها لا تحصر امكانية تفويض الصلاحيات لموظفي الدولة مدنين أو عسكريين وهذا الإطلاق في التفويض القانوني لرئيس الوزراء يجافي المنطق القانوني.
خامساً: المحكمة المختصة بنظر مخالفة أحكام قانون الدفاع .
حدد قانون الدفاع في المادة (6) منه اختصاص محكمة البداية بالنظر في الجرائم التي ترتكب خلافاً لأحكام الدفاع والأوامر الصادرة بمقتضاه، وفي المادة (7) حدد القانون ماهي الجرائم المرتكبة خلافاً لأحكام القانون والعقوبات التي تترتب عليها. وهنا تجب الإشادة بالمشرّع الأردني الذي جعل النظر بمخالفات قانون الدفاع من اختصاص المحاكم المدنية بعكس كثير من الدول التي جعلتها من اختصاص محاكم إستثنائية أو عسكرية إلا ان قانون الدفاع لم يبين فيما إذا كانت قرارات محكمة البداية خاضعة للطعن إستئنافاً أو تمييزاً أم لا، الأمر الذي يجعلنا نرى أن هذه الأحكام ليست قطعية وبالتالي تخضع للطعن بالطرق العادية وفق الأصول الجزائية .
المبحث الثاني
تأثير العمل بقانون الدفاع على الحريات العامة
المطلب الأول: مفهوم الحريات العامة وأنواعها
لا يمكن الفصل بين مفهوم الحريات العامة ومفهوم حقوق الإنسان كون هذه الحريات والحقوق تنطلق من حق أصيل وثابت للإنسان منذ القدم في التمتع بكرامته الإنسانية وحرية خياراته دون قيود إلا بقيد مصلحة المجتمع الذي يعيش فيه وعدم الإعتداء على حرية الآخرين وخياراتهم أيضاً. وقد عرّف الإعلان الصادر لحقوق الإنسان والمواطن في فرنسا الصادر في عام 1789م الحرية على أنها قدرة الإنسان على إتيان أي عمل لا يضر بالآخرين وأن الحدود المفروضة على هذه الحرية لا يجوز فرضها إلا بالقانون .
ومن المشهور والمتفق عليه أن الحريات العامة وحقوق الإنسان تقسم إلى أنواع عديدة أهمها :-
1- الحقوق المدنية وعلى رأسها حق الإنسان في الحياة فلا يجوز إزهاق روحه وحرمانه من الحياة إلا وفق القانون الذي يراعي المصلحة العامة ، وحق الإنسان في حريته الشخصية فلا يجوز حجزه أو حبسه إلا وفق القانون ولا يجوز التعرض لسلامته الشخصية أو إيذاءه أو تعذيبه أيضاً وللإنسان حرية الرأي والتعبيير شفاهة أو كتابة وحرية الصحافة جزء من هذه الحرية وكذلك حقه في اللجوء الى القضاء والمحاكمة العادلة إضافة الى حرية الإجتماع وتكوين الجمعيات الأهلية إلخ…
2- الحقوق السياسية ومن أهمها الحق في المشاركة في إدارة الحياة العامة ومنها حق الإنتخاب والترشح للمجالس التمثيلية والحق في تشكيل مؤسسات المجتمع المدني ومنها الجمعيات والأحزاب السياسية.
3- الحقوق الاقتصادية منها حق العمل وواجب الدولة في توفير فرص العمل للأفراد وحرية التجارة وحق التملك الاموال .
4- الحقوق الاجتماعية وأهمها حق الضمان الاجتماعي الذي يجب أن توفره الدولة للأفراد وحق الرعاية الصحية بما يحفظ كرامتهم .
5- الحقوق الثقافية وأهمها حق التعليم والفنون الإبداعية والتعبير عن الفكر والأدب الإنساني.
وقد اهتم الدستور الأردني بكل هذه الحقوق والحريات العامة وذكر العديد من هذه الحريات والحقوق للمواطن الأردني في المواد (5 -23 ) من الدستور واعتبر ان الحرية الشخصية مصونة وأن كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة وحرية الحياة الخاصة لللأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون .
المطلب الثاني : تقييد الحريات في ظل قانون الدفاع
مما في لا شك فيه أن الدولة في حالة الطوارئ تضطر إلى اتخاذ اجراءات وتدابير استثنائية لمواجهة الظرف الأستثنائي الذي يهدد الأمن الوطني والسلامة العامة، وجزء مهم أو كبير من هذه التدابير تنتقص من منظومة الحريات العامة وتحدَ من تمتع الأفراد بحقوقهم وحرياتهم الشخصية التي يتمتعون بها في ظل الأوضاع الأعتيادية، ومن المفترض بالسلطة المختصة في الدولة حين ممارسة صلاحياتها بموجب قانون الدفاع أن لا تقيد الحريات العامة إلا بالقدر اللازم والضروري لمواجهة الظروف الطارئة وإن أي تجاوز للحد اللازم والضروري يعتبر خروج عن حدود المشروعية الإستثنائية المقررة بموجب قانون الدفاع .
في اغلب الدول العربية التي طبقت قوانين الطوارئ كانت هناك تجاوزات صارخة على مشروعية التنظيم القانوني لحالة الطوارئ بحيث تجاوزت السلطات الحدَّ الضروري لمواجهة الظروف الطارئة إلى درجة قمع حريات الأفراد والهيئات والقوى السياسية والإجتماعية بل وخلقت في بعض الدول (دكتاتوريات) استبدادية همّشت أو قمعت المعارضة السياسية لعشرات السنوات وحاكمت الكثيرين في ظل حالة الطوارئ عبر محاكمات عسكرية لا يتوافر فيها الحدَّ الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة والتجربة الاردنية في مسألة تطبيق قانون الدفاع ليست بعيدة عما ذكرناه فقد استمر العمل بقانون الدفاع لسنة 1935 منذ عام 1939 والأنظمة الصادرة بموجبه وأوامر الدفاع لمدة اثنين وخمسين عاماً، أي لحين إلغائها بموجب قانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992 ، وترواحت ممارسات السلطة أثناء هذه المدة ما بين التضييق على بعض الحريات العامة مثل حرية التعبير والرأي وحرية التظاهر والتجمّع والحريات الصحفية إلى حد مصادرة كاملة لبعض الحريات مثل الحرية أو الحق في تشكيل الأحزاب السياسية أو اي تجمع سياسي معارض للنهج السياسي للحكومات بل وأكثر من ذلك فقد تجاوزت السلطات في بعض الاحيان إلى حد الأستيلاء على الأملاك الخاصة دون أي دواعي أمنية تذكر.
إن السوابق القضائية لمحكمتي التمييز والعدل العليا تُطلعنا على جزءٍ يسير من تجاوز السلطات المختلصة على الحقوق الأساسية والحريات العامة اثناء العمل بقانون الدفاع وأنظمته المختلفة، وللإستدلال على ماذهبنا إليه نذكر فيما يلي بعض المبادئ والسوابق القضائية:-
1- مبدأ رقم (127) سنة 1966 محكمة العدل العليا
(4- إن المادة الرابعة من قانون الدفاع التي صدر نظام الدفاع بالاستناد إليها لا تجيز القبض على أشخاص وتوقيفهم إلا إذا صدر عنهم أفعال تعبر مضرة بسلامة المملكة، ولا يمت بصلة للسلامة العامة أو الدفاع عن المملكة ارتكاب المستدعي محاولة فعل شنيع ولا تنطبق على هذا الفعل المادة 9 مكررة من نظام الدفاع )
2- مبدأ رقم (288) سنة 1967 محكمة التمييز / حقوق
(4- اذا تبين من نص أمر الدفاع ان الغاية من إصداره هي تنظيمية تهدف إلى عدم عرقلة السير وتشويه المنظر العام في حين الصلاحية الممنوحة لرئيس الوزراء بموجب قانون الدفاع وأنظمته تخوله اصدار الأوامر التي تهدف إلى ضمان الأمن العام والدفاع عن المملكة، فيعتبر أمر الدفاع الذي لم يصدر للغاية المذكورة غير قانوني ولايترتب عليه أثر .
5 – اذا قامت أمانة العاصمة بهدم المأجور تنفيذأَ لأمر الدفاع غير المشروع فتعتبر مسؤولة بما يحلق بالمستأجر من ضرر ناشئ من هدمه وحرمانه من الانتفاع به ولا يمكن ان يبرر الهدم بسبب إضطراري وهو صدور أمر دفاع لم يكن قانونياً)
3- مبدأ رقم(88) سنة (1967) محكمة التمييز / حقوق
(3 – وصدر نظام الدفاع رقم (24) لسنة 1959 بمقتضى المادة الرابعة من قانون الدفاع التي لم تتضمن نصاً يجيز إصدار أنظمة دفاع لتقييد شركات الـتأمين من حيث التعويض على المؤمن له بما لحق بضائعه من ضرر، كما أن تقييد الشركات بهذا الخصوص ليس من الأمور التي لها صلة بالأمن العام والدفاع عن المملكة، لذلك يكون امر الدفاع رقم 6 لسنة 1962 غير قانوني من هذه الناحية ولا يجوز الاعتماد عليه)
4- مبدأ رقم (24) سنة 1968 محكمة العدل العليا
(2- أن الصلاحية الممنوحة للسلطات الإدارية في قانون الدفاع فيما يتعلق بالأموال تنحصر في الاستيلاء عليها وأخذها ومراقبتها والتصرف بها واستعمالها وهدمها وتقدير التعويض وذلك عند الاحتياج إلى هذه الأموال للمؤازرة في الدفاع عن المملكة .
3- اذا كان قرار الحاكم العسكري بإخراج شخص من المأجور بقصد تسليمه إلى المالك ، فلا يعتبر لأغراض الدفاع عن المملكة ويكون مخالفاً للقانون )
5- مبدأ رقم (212) سنة 1971 محكمة التمييز / حقوق
(المبادئ القانونية الواردة في حكم الاستئناف :
1- ان النزاع المتعلق بحسم راتب موظف هو نزاع على مال يدخل ضمن اختصاص المحاكم النظامية ولا علاقة له بالسلامة العامة والدفاع عن المملكة .
2- من حق المحاكم النظامية التعرض لقانونية أوامر الدفاع من أجل التوصل إلى الفصل بين النزاعات الحقوقية المعروضة عليها .
المبادئ القانونية في الحكم الصلحي:
1- يجوز للمحاكم النظامية ان تتعرض لقانونية القرارات الإدارية للتوصل إلى اصدار الحكم في المسائل الحقوقية المعروضة أمامها ، فتشل أثارها ودون أن تتعرض لها وتطلبها في ذاتها.
2- إن صلاحية رئيس الوزراء بإصدار أوامر الدفاع بالاستناد إلى قانون الدفاع لسنة 1935 مقيّدة بغايات تأمين السلامة العامة والدفاع عن المملكة ، فإذا تجاوز أمر الدفاع هذه الغايات، فيعتبر كأنه لم يكن ولا ينتج أي أثر قانوني ، ومن حق المحكمة النظامية أن تشل أثاره دون أن تتعرض له بالإلغاء أو الإبطال )
6- مبدأ رقم (237 ) سنة 1978 محكمة التمييز / حقوق
(2- إن استغلال صالة البلياردو اصبح مالاً متقوماً بمقتضى الفقرة الثانية من المادة (174) من قانون أصول المحاكمات الحقوقية ، ومعلوم أن الاعتداء على مال الغير يستوجب التعويض عن الضرر الناجم عن هذا الاستيلاء ، وبما أن أمر الحاكم العسكري بإغلاق محل المدعي غير مشروع إذ قضت محكمة العدل العليا بإلغائه، لذلك يعتبر هذا الاغلاق اعتداء على أموال المدعي يستلزم التعويض) .
7- مبدأ رقم (95) سنة 1980 محكمة العدل العليا
(2- إن المادة الرابعة من قانون الدفاع التي صدر نظام الدفاع رقم (2) لسنة 1939 استنادا إليها لا تجيز حجز حرية الأشخاص أو ربطهم بكفالة حسن سلوك إلا إذا صدرت عنهم أفعال تمت بصلة للدفاع عن المملكة وسلامتها العامة .
3- ان الفعل المسند للمستدعي وهو الاهمال المسبب لوقوع حريق وهو جرم عادي لا يخل بالدفاع عن المملكة بالمعنى المقصود من المادة (9 مكررة) من نظام الدفاع رقم (2) لسنة 1939 .)
8- مبدأ (146) سنة 1981 محكمة العدل العليا
(2- إن قضاء محكمة العدل العليا هو قضاء إلغاء، والمقصود من دعوى الإلغاء هو فحص مشروعية القرار المطعون فيه ، ولا يجوز ان تتذّرع الإدارة بأن القرار قد نفذ لتحول دون حق صاحب المصلحة في الإلتجاء إلى المحكمة .
3-لايوجد أي نص في قانون الدفاع والأنظمة الصادرة بمقتضاه ما يجيز للإدارة منح رخص مؤقتة أو دائمة للأفراد بتيسير باصات .)
9- مبدأ رقم (121) سنة 1981 محكمة العدل العليا
(إن مجرد قيام المستدعي بيع أملاك الدولة بموجب عقد بيع عادي خارج دوائر التسجيل لا يمت بصلة للأمن العام والسلامة العامة أو الدفاع عن المملكة بالمعنى المستفاد من قانون الدفاع والأنظمة الصادرة بموجبه وبالتالي فإن محكمة العدل العليا تعتبر مختصة بنظر الطعن بقرار توقيف المستدعي حفظاً للأمن والسلامة العامة استناداً للأفعال المتقدم بيانها )
10- مبدأ رقم (71) سنة 1987 محكمة العدل العليا
(1-يمارس نائب رئيس الوزراء كافة صلاحيات واختصاصات رئيس الوزراء في غيابه بما في ذلك صلاحايته كحاكم عسكري عام وفي حالة رغبة رئيس الوزراء إناطة صلاحياته كوزير للدفاع بنائبه فإنه يصدر إرادة ملكية بذلك.
2-استقر الاجتهاد على أن حكم المادة 20 من تعليمات الإدارة العرفية لسنة 1967 والتي تقضي بمنع محكمة العدل العليا من رؤية الطعن بالقرارات الإدارية سواء كانت صادرة لغايات الدفاع عن المملكة او لغير ذلك هو حكم غير دستوري ولا يعمل به إلا إذا كان القرار بذلك قد صدر لتحقيق الأغراض المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 125من الدستور )
كما تجاوزت الحكومات المتعاقبة حدود حالة الطوارئ فلجأت إلى استخدام صلاحياتها بموجب قانون الدفاع لاستصدار أنظمة دفاع تستند إلى قانون الدفاع لسنة 1935 تُنظم شؤون الدولة الاعتيادية وكان بإمكانها تنظيمها من خلا الوسائل التشريعية العادية، فخلال مدة العمل بقانون الدفاع أصدرت الحكومات الأردنية عشرات الانظمة التي تستند إلى قانون الدفاع معظمها لا تتعلق بالأمن الوطني أو السلامة العامة ومنها على سبيل المثال :-
– نظام رقم (37) لسنة (1964) نظام الرسوم التعداد على المواشي .
– نظام رقم (30) لسنة (1964) نظام مواصفات الطحين للأسواق المحلية .
– نظام رقم (145) لسنة (1966) نظام تقييد السفر للخارج .
– نظام رقم (18) لسنة (1966) نظام رسوم الاستيراد .
– نظام رقم (105) لسنة (1971) نظام معدل النظام مكتب التموين ومراقبة الأسعار .
– نظام رقم (12) لسنة( 1979) نظام مراقبة وتحديد أسعار قطع ولوازم السيارات .
– نظام رقم (27) لسنة (1986) نظام تيسير استثمارات المواطنين العرب.
– نظام رقم (24) لسنة (1959) نظام مراقبة اعمال شركات التأمين.
– نظام رقم (4) لسنة (1956) نظام تأميم الكتب المدرسية.
– نظام رقم (2) لسنة (1954) نظام مكتب الحبوب.
– نظام رقم (2) لسنة (1942) نظام رخص السوق.
المطلب الثالث : ضمانات الحريات العامة في ظل قانون الدفاع
قلنا سابقاً أن دول العالم المعاصرة أخذت بالإهتمام وصيانة الحريات وحقوق الإنسان فأكدت على هذه الحقوق بنصوص واضحة في دساتيرها الوطنية واهتمت مؤسساتها الدستورية برعايتها وأنشأت منظمات دولية تعنى بالحفاظ على حقوق الإنسان ومراقبتها بل إن كثير من هذه المنظمات لديها صلاحيات تلقّي اتصالات وشكاوى من أفراد خاضعين لأي ودولة عضو فيها حول انتهاكات لحقتهم من جانب حكومة هذه الدولة .
إلا أن الضمانات مهما كان نوعها أو مصدرها تبقى ضمانات نسبية أي أنها تساعد وتساند ولكنها غير كافية وحدها ولا يمكن أن تتوصل بذاتها إلى حماية ناجحة للحرية .
اولا: ضمانة الدستور .
لقد أكدَّ الدستور الأردني على الحريات الأساسية وحقوق الاردنيين واعتبر الحرية الشخصية مصونة وأي اعتداء على حرية الأردني يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون ونص الدستور على هذه الحقوق والحريات في المواد من 5-23 بما فيها الحقوق المدنية والسياسية والإقتصادية والثقافية والفكرية وحرية الصحافة والنشر وغيرها .
إن تأكيد الدستور على هذه الحريات والحقوق غير كافٍ بحد ذاته إذا لم تلتزم الحكومات والمؤسسات الرسمية بها وتحرص عليها وإذا كان هذا المطلب يبدو غير مرضي في الأوقات الإعتيادية فهو بالتأكيد غير مرضي في ظل الظروف الطارئة وفي ظل العمل بقانون الدفاع بحكم التجربة الطويلة كما بيينّا سابقاً إلا أنه وبكل تأكيد يبقى تمسك الأفراد بحقوقهم الدستورية وحرياتهم العامة هو المحرك الأقوى لإلزام الحكومات بالوقوف الإيجابي عند الحقوق والحريات الدستورية والإلتزام بها.
ثانياً: ضمانة البرلمان
إن وجود برلمان يمثل إرادة الشعب تمثيلاً حقيقياً هو من أهم الضمانات لإلتزام الدولة بواجباتها العامة ومنها حفظ ورعاية الحريات العامة، فدور البرلمان التشريعي والرقابي مهم جداً في ترسيخ الحريات العامة ومحاسبة الحكومات عن أي إساءة أو تقصير أو تجاوز للحريات العامة سواءً في الأوضاع العادية أو في ظل حالة الطوارئ والعمل بقانون الدفاع .
ثالثاً: ضمانة الرأي العام
إن الشعب بأفراده ومؤسساته المدنية وحزابه من أكبر الضمانات للإلتزام بالحريات العامة إذا امتلك الوعي الكافي للمطالبة بحقوقه الدستورية وحريات أفراده وجماعاته بما تمتلكه من وسائل صحفية وإعلامية تستطيع تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان والإنتقاص من الحريات العامة ، كما انه قد أصبح من حقوق الشعب وأفراده وجماعاته بحكم الدستور والمواثيق الدولية الاعتصام والتظاهر للمطالبة باحترام الحريات والحقوق الدستورية وهذه من الوسائل التي تخشاها الحكومات وتحسب لها ألف حساب خشيةً من تفاقمها إلى ما يشبه الثوارت الشعبية .
رابعا: ضمانة الرقابة القضائية
إن واجب الجهاز القضائي سواءاً المدني منه والدستوري والإداري هو تطبيق الدستور والقانون والأنظمة وحفظ الحقوق للأفراد والجماعات وعلى رأس هذه الحقوق الحريات العامة وحقوق الانسان وعلى الجهاز القضائي عدم الخضوع للسلطة السياسية وأهوائها سواءاً في الأوقات الإعتيادية أو في ظل حالة الطوارئ فالقضاء والقضاة يجب أن لا يخضعوا إلا للقانون ومقتضيات العدالة وقد رأينا سابقاً في هذه الدراسة كيف تعرض القضاء الإداري والمدني لقرارات السلطة الصادرة بموجب قانون الدفاع وأنظمته وتعليمات الإدارة العرفية بالفحص الدقيق لتمييز ما صدر منها موافقاً لمقتضيات الأمن والدفاع عن المملكة وما كان منها مخالفاً أو متجاوزاً لغايات الأمن العام والسلامة العامة والدفاع عن الدولة وهذا موقف يحمد للقضاء الأردني ويستدعي الثناء .
خامساً: ضمانة الهيئات والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان
وقد تعرضاً سابقاً لاهتمام المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية بحقوق الإنسان ورعاية كرامته الإنسانية وقد تزايدت أعداد هذه المنظمات بشكل كبير والتي تسعى للإلزام الحكومات بالإعلانات العالمية والعهود والمواثيق الدولية التي تحرص على رعاية وصيانة حقوق الإنسان في زمن السلم والحرب ولعل اهم ما تحقق في هذا المجال هو إيجاد أجهزة دولية ذات صلاحيات محددة لحماية حقوق الإنسان وحرياته وتمكين الأفراد والجماعات من تقديم الشكوى ضد دولهم عند إهدار هذه الحقوق والعمل بمبدأ الرقابة الدولية والضمان الجماعي لهذه الحقوق.
الخاتمة
من خلال هذه الدراسة تبين لنا مدى أهمية الإعتناء بالحريات العامة وحقوق الإنسان وتوفير ضمانات كافية لعدم انتهاكها أو مصادرتها أو الانتقاص منها سواءاً في الأوضاع العادية أو في حالة الطوارئ والعمل بقانون الدفاع وتبين لنا من خلال التجربة الطويلة لتطبيق قانون الدفاع لسنة 1935 والأنظمة والأوامر الصادرة بموجبه أن السلطات المختصة كانت تتجاوز الغاية التي وجدت من أجله وهي حفظ الأمن والسلامة العامة والدفاع عن المملكة إلى مستوى فرض سلطتها وهيمنتها على الأفراد والجماعات وعلى كافة مناحي الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية ولو على حساب الحريات العامة والحقوق الأساسية بما يشكل حالة إساءة استعمال السلطة والإنحراف بها عن القانون .
إن التشريعات التي يُعمل بها في حالة الطوارئ وعلى رأسها قانون الدفاع وأنظمته هي تشريعات قانونية تقتضيها المصلحة العامة للدولة والأمة وعلى السلطة المختصة أن تدرك أن الصلاحيات الممنوحة لها والتدابير التي تتخذها يجب أن تلتزم بمبدأ المشروعية لا أن تعتبرها صلاحيات مطلقة خارج نطاق المشروعية .
ونرى أنه لا بد من مراجعة قانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992 بحيث يتم تقليص صلاحيات رئيس الوزراء وحصرها بما هو لازم وضروري فعلاً لحفظ الأمن والسلامة العامة والدفاع عن الدولة .
ونرى أنه لابد من النص في الدستور وفي قانون الدفاع بشكل واضح وصريح على استمرار صلاحيات المحاكم المختصة بالنظر في الطعون المقدمة لها والمتعلقة بقانون الدفاع وأنظمته المختلفة للتأكد من عدم انحراف السلطة في تدابيرها وقرارتها عن الغاية التي وجد القانون من أجلها وهي حفظ الأمن والسلامة العامة والدفاع عن المملكة والتأكد من عدم وجود أي انحراف في السلطة يؤدي إلى الإعتداء أو الإنتقاص من الحريات العامة وحقوق الإنسان دون أي دواعي أمنية لازمة وضرورية
انتهى بحمد الله
الباحث/ المحامي محمد أحمد المجالي
الاردن – عمان – 2018
قائمة المراجع :
1- ابراهيم الشربيني – حراسات الطوارئ – دائرة المعارف – القاهرة 1964م.
2- عبد الحميد الشواربي وشريف جاد الله – شائبة عدم مشروعية قراري إعلان ومدّ حالة الطوارئ والإدارة العسكرية – منشأة المعارف – اسكندرية -2000م.
3- احمد هبة – موسوعة مبادئ المحكمة الدستورية العليا في الدعوى الدستورية – طبعة (1) المطبعة الفنية – القاهرة -1987م .
4- بشار عبد الهادي – التفويض في الاختصاص (دراسة مقارنة) – ط1- دار الفرقان للنشر والتوزيع – عمان -1982م.
5- احمد مدحت علي – نظرية الظروف الاستثنائية – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة – 1978.
6- د. فيصل الشنطاوي – حقوق الإنسان والقانون الدولي – ط(2) – دار الحامد للنشر والتوزيع – عمان – 2001م.
7- نعيم عطية – النظرية العامة للحريات الفردية – مطابع الدار القومية للطباعة والنشر –القاهرة -1965م.
8- الجريدة الرسمية للمملكة الإردنية الهاشمية .
9- مجلة نقابة المحامين الإردنيين.