تتمثل نقطة الخلاف بين محكمة التمييز بهيئتها العادية ومحكمة البداية بصفتها الاستئنافية بمدى صحة مخاصمة المدعى عليهم في دعوى اخلاء المأجور بصفتهم ورثة المستأجر وأنه كان يتوجب مخاصمتهم بصفتهم الشخصية ومدى تطبيق ذلك على دعوى المدعي والانذار العدلي الموجه فيها.
وقد جاء في قرار محكمة التمييز بهيئتها العامة ما يلي:
ونظراً لإصرار محكمة الاستئناف على قرارها المطعون فيه، فقد تقرر نظر هذا الطعن من قبل الهيئة العامة لمحكمة التمييز عملاً بأحكام المادة 9/أ/1 من قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 17 لسنة 2001 وتعديلاته.
ورداً على أسباب التمييز:
وبالرد على السبب الأول ومفاده تخطئة محكمة البداية بصفتها الاستئنافية بالإصرار على قرارها السابق مخالفة اجتهاد محكمة التمييز بهيئتها العامة رقم 2993/2021 لكون وكالة المحامي ولائحة الدعوى تضمنت مخاصمة المميزين بصفتهم ورثة المرحوم عبد الكريم خريسات وليس بصفتهم مستأجرين أصليين وأن من وجه الإنذار العدلي رقم (1201/2020) هم أسامة موسى الحارس وأوس موسى الحارس وسماح موسى الحارس وليسوا مدعين بذاتهم لاختلاف موجهي الإنذار العدلي عن المدعين الذين أقاموا الدعوى.
وفي ذلك نجد وفي ما يتعلق بالنعي على المحكمة الاستئنافية خطؤها بعدم اتباع ما جاء في قرار النقض وإصرارها على قرارها المنقوض أن اتباع النقض من عدمه هو خيار المحكمة الاستئناف وفقا لأحكام المادة (202) من قانون أصول المحاكمات المدنية ولطالما أنها مارست خيارها بعدم اتباع النقض والإصرار على قرارها السابق فلا تثريب عليها في ذلك.
وأما من جهة الطعن بالنتيجة التي توصلت إليها المحكمة الاستئنافية بعدم اتباع قرار النقض فتجد محكمتنا أن نقطة الإصرار تدور حول مدى صحة مخاصمة المدعى عليهم بصفتهم ورثة المرحوم عبد الكريم خريسات وأنه كان يتوجب مخاصمتهم بصفتهم الشخصية.
حيث توصلت المحكمة الاستئنافية إلى أن مورث المدعى عليهم كان يشغل وبحكم الاستمرار القانوني محلاً تجارياً في العقار العائد للمدعين بموجب عقد إيجار خطي مؤرخ في 1/6/1961، وأن المستأجر الأصلي (مورث المدعى عليهم ) انتقل إلى رحمة الله تعالى بتاريخ 23/3/2006 واستمر المدعى عليهم بأشغال المأجور بعد وفاة مورثهم بحكم الاستمرار القانوني، وقد أقام المدعون هذه الدعوى بمواجهة المدعى عليهم بصفتهم ورثة المستأجر الأصلي وأن اشغال المدعى عليهم المأجور كان بحكم انتقال حقوق الإجارة إليهم من مورثهم، وقد أصبحوا بناءاً على ذلك مستأجرين بأشخاصهم وأن بيان صفة المدعى عليهم التي بموجبها انتقلت إليهم حقوق الإيجار لا ينفي وجود الخصومة ما بين المدعين والمدعى عليهم ويؤكد ذلك عدم اختصامهم بالإضافة للتركة.
وفي حين توصلت محكمة التمييز بهيئتها العادية إلى أن حق الانتفاع بالمأجور يؤول إلى الورثة لحظة وفاة المورث ويعتبرون مستأجرين بأشخاصهم وأصحاب حق فيما آل إليهم من مورثهم وفق أحكام المادة (۷/أ) من قانون المالكين والمستأجرين وإنه يتوجب مخاصمتهم بأشخاصهم وليس بصفتهم ورثة وإلا تكون الدعوى مقامة بصورة غير صحيحة.
وحيث إن الخصومة وجهت لجميع المدعى عليهم بصفتهم ورثة المرحوم عبد الكريم الخريسات (عدا المدعى عليه عواد) وليس بصفتهم الشخصية فتكون الخصومة غير صحيحة والدعوي مقامة بشكل غير صحيح.
ومحكمتنا بهيئتها العامة تجد وبالرجوع إلى المادة (۷/أ) من قانون المالكين والمستأجرين فقد نصت على أنه :- (ويستمر حق أفراد أسرة المستأجر الذين كانوا يقيمون معه في المأجور قبل وفاته في العقارات المؤجرة لغايات السكن قبل 31/8/2000 في إشغال المأجور وفقاً لأحكام هذا القانون، كما يستمر حق ورثة المستأجر الشرعيين أو أحدهم وزوجته في إشغال العقارات المؤجرة لغير غايات السكن، على أن تنقطع حقوق الزوجة المتوفى عنها زوجها في الاستمرار بإشغال المأجور حال زواجها من آخر).
وباستقراء نص المادة المشار إليها فإنه يبيّن بأن حق الانتفاع بالمأجور يؤول إلى الورثة لحظة وفاة مورثهم، وعندها يعتبر هؤلاء الورثة مستأجرين أصليين بأشخاصهم ويصبحون بحكم القانون مستأجرين بمواجهة المالك ولهم الحق القانوني في الاستمرار بإشغال المأجور استنادا إلى قانون المالكين والمستأجرين، وعليه ومنذ وفاة مورثهم يصبحون مسؤولين بصفتهم الشخصية عن الوفاء بحقوق العقد ومن ضمنها الأجور، وبالتالي وفي حال التخلف عن دفع الأجور يجب على المالك توجيه الإنذار العدلي لجميع هؤلاء الورثة بصفتهم مستأجرين وليس بالإضافة إلى التركة الذي انقطعت علاقة مورثهم بالمأجور منذ لحظة وفاته وبالتالي فإن الأجور اللاحقة لوفاته لا تعتبر ديناً على التركة وإنما على المستأجرين الذين حلوا مكانه، وعليه فإن إقامة الدعوى بمواجهتهم للمطالبة بإخلاء المأجور يجب أن توجه إليهم بأشخاصهم وليس إلى التركة. انظر قرار محكمة التمييز (3406/2021).
وبناء على ما تقدم فإن مخاصمة الوارث بالإضافة إلى تركة مورثه تختلف اختلافاً بيناً عن مخاصمة الوارث بصفته الشخصية، ففي الحالة الأولى فإن التزامات المورث تبقى في تركته وتؤدي منها بحيث لا ينتقل إلى الورثة إلا ما تبقى من حقوق بعد الوفاء بالديون المترتبة على التركة إذ لا تركة إلا بعد سداد ديونها، ويكون التزام الوارث بديون مورثه بقدر ما يؤول إليه من التركة، بمعنى أن أمواله الخاصة لا تكون ضامنة لديون مورثه إلا بحدود نصيبه من التركة وبقدر ما آل إليه، وبالتالي فإن الحكم على الورثة بالإضافة إلى التركة هو في حقيقته إلزام التركة بهذا الدين وينفذ عليها، وبالمقابل فإن مخاصمة الوارث بصفته الشخصية يرتب نتائج مغايرة تماماً، إذ إن تركة مورثه لا علاقة لها بمطالبته الشخصية ويكون ملزما بصفة شخصية في تنفيذ العقد والوفاء بالتزاماته من أمواله الخاصة أنظر قرار محكمة التمييز رقم (963/2002).
ولما كان ذلك وكان المدعون قد وجهوا خصومتهم للمدعى عليه عواد الدباس من جهة وهو مستأجر أصلي في عقد الإيجار وتم مخاصمته من خلال الوصي الشرعي عليه (بكر الدباس) وبالتالي مخاصمته صحيحة ولا خلاف عليها، أما باقي المدعى عليهم فقد تمت مخاصمتهم بصفتهم ورثة المرحوم عبد الكريم الخريسات ولم يتم مخاصمتهم بالإضافة إلى التركة.
وحيث إن مورثهم انتقل إلى رحمة الله تعالى بتاريخ 23/3/2006، فإنهم ومنذ هذا التاريخ أصبحوا مستأجرين أصليين بصفاتهم الشخصية وإن ذكر صفتهم بأنهم من ورثة المرحوم عبد الكريم لا يعقد الخصومة بمواجهة التركة، وهم بالفعل من ورثته ولا يمكن إنكار هذه الصفة عليهم بعد ثبوتها بموجب حجة حصر الإرث، وإن ذكر هذه العبارة هو للدلالة على أن حق الانتفاع بالمأجور قد انتقل إليهم بموجب المادة السابعة من قانون المالكين والمستأجرين، وما يؤيد ذلك عدم اختصام المدعين للتركة، وعدم مطالبة التركة بأية إلزامات مالية وإنما انصرفت المطالبة إلى المدعى عليهم بصفتهم الشخصية، إضافة إلى أن وكالة وكيل المدعين تخول الوكيل مخاصمة المدعى عليهم بصفاتهم الشخصية، وكذلك فإن طلبات المدعين بلائحة الدعوى والإنذار العدلي المقامة الدعوى بالاستناد إليه كانت لمطالبة المدعى عليهم بصفاتهم الشخصية، وعليه وحيث إن المدعين لم يوجهوا خصومتهم إلى التركة، فتكون الخصومة في هذه الدعوى متفقة وأحكام القانون، مما نخلص معه إلى أن ما توصلت إليه محكمة بداية السلط بصفتها الاستئنافية بانعقاد الخصومة وصحتها قد صادف صحيح القانون ( انظر قرار محكمة التمييز رقم 3932/2016) فيكون إصرار المحكمة الاستئنافية على قرارها السابق موافقاً لأحكام القانون وهذه الأسباب لا ترد عليه الأمر الذي يقتضي الرجوع عن قرار النقض السابق رقم (5696/2021) الصادر عن الهيئة العادية.
وعن الأسباب الثاني والثالث والرابع وحاصلها تخطئة محكمة البداية بصفتها الاستئنافية في القرار المطعون فيه لبطلان الإنذار العدلي والتبليغ حيث إن الإنذار العدلي ولائحة الدعوى مشوبة بالجهالة لعدم ذكر الأشهر والسنة وتحديد مبالغ الأجور ونسبة الزيادة لعدم وضوح الإنذار لعدم تحديد الأجر والأشهر والسنة.
وفي ذلك نجد وفي ما يتعلق بالإنذار العدلي المقامة الدعوى بالاستناد إليه، فإنه من المقرر في دعاوى إخلاء المأجور أن لا يحكم بالإخلاء إلا بعد تحقق الإخلال من قبل المستأجر الموجه إليه الإنذار، وبالتالي فإن الإنذار العدلي يجب أن يكون صحيحاً بما يتضمنه من وقائع وأن يحدد بوضوح وجه الإخلال والمبلغ المطالب به بشكل محدد من حيث القيمة والمدة حتى يتمكن المستأجر من تفادي الإخلاء بالمبادرة بتصويب هذا الإخلال ( انظر قرار محكمة التمييز رقم 366/2013).
وبتدقيقنا للإنذار العدلي موضوع الدعوى فقد بادر مالكو العقار الذين يملكون ما يزيد على (50%) من الحصص في قطعة الأرض المقام عليها العقار المأجور بتوجيه الإنذار العدلي رقم (1201/2020) للمدعى عليهم، وتم الذكر فيه تاريخ ابتداء عقد الإيجار ومقدار الأجرة والزيادات القانونية ومقدار المطالبة المترتبة عن كل زيادة والمبالغ المطالب بها عن كل فترة زمنية والمدة القانونية للوفاء بهذه الأجور، وبالتالي فإن الإنذار جاء متوافقة وأحكام القانون، والدعوی مقدمة من المدعين الذين يملكون ما يزيد على (50%) من الحصص في قطعة الأرض المقام عليها المأجور موضوع الدعوى، مما يجعل من الشروط الشكلية لإقامة الدعوى متحققة وأسباب التمييز لا ترد عليه، ويكون ما توصلت إليه المحكمة الاستئنافية من صحة الإنذار العدلي الموجه من المدعين متفقا وأحكام القانون مما يتعين رد هذه الأسباب.
أما عن باقي أسباب التمييز فالبحث فيها سابق لأوانه إذ لم يتم معالجة الدعوی موضوعاً من قبل محكمتي الموضوع حتى يُصار إلى بسط رقابة محكمة التمييز على سلامة تطبيق أحكام القانون على وقائع الدعوى من عدمها.
بناءً على ما تقدم نقرر رد الطعن التمييزي وتصديق القرار المميز رجوعاً عن قرار النقض السابق رقم (5696/2021) وعن أي اجتهاد مخالف وإعادة الأوراق إلى مصدرها لإجراء المقتضی.
مركز إحقاق للدراسات القانونية