أولاً: تنص المادة (55) من الدستور الأردني على ما يلي:
(يحاكم الوزراء على ما ينسب إليهم من جرائم ناتجة عن تأدية وظائفهم أمام المحاكم النظامية المختصة في العاصمة, وفقاً لأحكام القانون).
لقد بين هذا النص الدستوري أنه إذا ارتكب الوزير العامل أو السابق جريمة ناتجة عن تأديته وظيفته الوزارية فإنه يحاكم أمام المحاكم النظامية التي بينها قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 17 لسنة 2001 وتعديلاته وهي: محكمة التمييز ومحكمة الاستئناف ومحكمة البداية ومحكمة الصلح، فهذ المحاكم هي المختصة نوعياً،
وقد بين هذا النص الدستوري أنه ينعقد الاختصاص المكاني للمحاكم النظامية الواقعة في محافظة العاصمة.
وقد بين هذا النص الدستوري أيضاً أن القانون الواجب التطبيق في هذه الحالة هو القانون الخاص بمحاكمة الوزراء وهو قانون محاكمة الوزراء رقم 35 لسنة 1952 وتعديلاته.
ثانيا: تنص المادة (56) من الدستور الأردني على ما يلي:
(لمجلس النواب حق إحالة الوزراء إلى النيابة العامة مع إبداء الأسباب المبررة لذلك ولا يصدر قرار الإحالة إلا بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب).
لقد بين هذا النص الدستوري أن الجهة المختصة بإحالة الوزير إلى النيابة العامة من أجل التحقيق معه ومن ثم إجراء المقتضى القانوني هو مجلس النواب.
وقد بين هذا النص الدستوري أن قرار الاحالة الصادر عن مجلس النواب لكي يكون صحيحاً يجب أن يوافق عليه أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب (أغلبية النصف زائد واحد)، ويجب أن يتضمن قرار الاحالة الأسباب والمبررات التي دعت مجلس النواب للتحقيق مع الوزير ومحاكمته.
ويقضي هذا النص الدستوري أنه لا يجوز للنيابة العامة ولا يجوز للمحاكم النظامية الجزائية ملاحقة الوزير العامل أو السابق عن أية جريمة ناتجة عن تأديته وظيفته الوزارية إلا إذا صدر قرار إحالة عن مجلس النواب.
ثالثاً: والسؤال الواجب طرحه، هل يعتبر اشتراط صدور قرار إحالة من مجلس النواب إلى النيابة لمحاكمة الوزراء على ما ينسب إليهم من جرائم ناتجة عن تأدية وظائفهم، هل يعتبر عدلاً أم عائقاً أمام تحقيق العدالة ومحاكمتهم؟؟؟
وجواباً على هذا السؤال، نرى أن البعض قد يجد ذلك عدلاً، ولكننا نرى في ذلك الاشتراط عائقاً أمام تحقيق العدالة ويمنع الجهات القضائية من ملاحقة الوزراء الذين ينسب إليهم ارتكاب جرائم ناتجة عن تأديته وظائفهم الوزارية؛ ففي إحدى القضايا المرفوعة ضد وزير الداخلية لدى محكمة صلح شمال عمان حيث تمت الشكوى ضد الوزير من قبل أمين عام أحد الأحزاب ونسب للوزير جرم (اساءة استعمال السلطة والاخلال بواجبات الوظيفة)، فقررت المحكمة وقف ملاحقة المشتكى عليه (الوزير) عن جرم اساءة استعمال السلطة والاخلال بواجبات الوظيفة، وبررت المحكمة قرارها بقولها ما يلي:
((وبتطبيق القانون على وقائع الشكوى تجد المحكمة وحيث ثبت أن المشتكى عليه هو وزير عامل في الحكومة الأردنية وبالرجوع الى نصوص المواد 55 و56 و 57 من الدستور الاردني وفيما سنّه من قواعد إجرائية تختص بكيفية ملاحقة الوزراء ومحاكمتهم والتي اناطت محاكمة الوزراء بالمحاكم النظامية المختصة على ما ينسب اليهم من جرائم ناتجه عن تأدية وظائفهم وفقا لأحكام القانون وبالرجوع الى القرارات التفسيرية كالقرار رقم 3/2011 تاريخ 11/10/2011 تجد المحكمة أن المشرع في المواد رقم 55 و 56 و 57 من الدستور بعد التعديل نص على ان تمارس المحاكم النظامية حق القضاء على جميع الاشخاص ولم يتطرق الى ذكر تفصيلات الاختصاص واجراءاته وجاء النص بصوره مطلقه لذلك فانه لا يجوز تفسير نص بمعزل عن باقي النصوص ويجب ان تقرأ النصوص كوحدة واحده وان النصوص المشار اليها قد حددت على وجه العموم آلية محاكمه الوزراء والاثار المترتبة على ذلك في حال ثبوت الجرم ، فقد جُعل أمر إحالة الوزير العامل أثناء ارتكابه الجرم الناتج عن تأديته وظيفته على فرض الثبوت إلى المحكمة مقيد بقرار يصدر من مجلس النواب يحمل في طياته أسباب تبريره وبأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، وبذلك تجد المحكمة انه وباستقراء نصوص المواد السابقة وقرار محكمة التمييز الموقرة آنف الذكر نجد ان المشرع قد قيد حرية المحاكم في مباشرة دعوى الحق العام بصدور قرار من مجلس النواب وفقا للضوابط الدستورية المنصوص عليها في النصوص السابقة وهو حق حصري لمجلس النواب ويعتبر ذلك قيد من القيود التي فرضت على الشكوى وفق ما جاء بأحكام المادة (2) من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني وأن الأصل أن يزال القيد قبل البدء في إجراءات المحاكمة وان وجوده يوقف الملاحقة القانونية بحق المشتكى عليه على أساس ان العبرة بتاريخ ارتكاب الجرم على فرض الثبوت وصفة الفاعل وقت ارتكاب الجرم، مع الإشارة في تلك النصوص الى دور النيابة العامة التي تختص بإقامه دعوى الحق العام وهي جهاز قضائي يتبع المحكمة التي يوجد بها وتمتلك صلاحيه مراقبة سير العدالة ومخاطبه السلطات رأسا وتحريك دعوى الحق العام حسب الاصول….. ولما كان الحال كذلك وحيث ان المشتكي تقدم بالشكوى بمواجهة المشتكى عليه وزير الداخلية سلامه حماد بالإضافة لوظيفته الى قاضي الصلح مباشرة مما يتعين معه وقف ملاحقة المشتكى عليه عن الجرم المسند إليه وفقاً لأحكام الدستور والقانون وقرار محكمة التمييز الأردنية الموقرة آنف الذكر)) … لطفاً أنظر قرار محكمة التمييز بصفتها الجزائية رقم 2227 لسنة 2014 (هيئة عامة) الصادر بتاريخ (29/12/ 2014) المشار إليه، والذي جاء فيه ما يلي:
((نجد أن المجلس العالي لمحاكمة الوزراء، كان جهة الاختصاص بمحاكمة الوزراء، إلا أن هذا المجلس ألغي بموجب التعديلات الدستورية لعام 2011 المنشورة في الجريدة الرسمية بتاريخ 1/10/2011 وشملت التعديلات المشار إليها آنفاً المواد (55 ، 56 ، 57) التي تنص على ما يلي:
المادة (55) : يحاكم الوزراء على ما ينيب إليهم من جرائم ناتجة عن تأدية وظائفهم أمام المحاكم النظامية المختصة في العاصمة وفقاً لأحكام القانون.
المادة (56): لمجلس النواب حق إحالة الوزراء إلى النيابة العامة مع إبداء الأسباب المبررة لذلك ولا يصدر قرار الإحالة إلا بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب.
المادة (57): يوقف عن العمل الوزير الذي تتهمه النيابة العامة أثر صدور قرار الإحالة عن مجلس النواب ولا تمنع استقالته من إقامة الدعوى عليه أو الاستمرار في محاكمته.
وبذلك نجد ما يلي:
1- المادة (55) من الدستور الأردني بصيغتها المعدلة تحدد المحاكم النظامية كجهة اختصاص لمحاكمة الوزراء بعد إلغاء المجلس العالي لمحاكمة الوزراء.
2- إلا أن المادتين (56 و57) وضعتا شروط وضوابط شكلية لمحاكمة الوزراء أمام المحاكم النظامية تتمثل بوجوب الإحالة من قبل مجلس النواب ، وأن تصدر الإحالة عن أغلبية أعضاء المجلس.
3- وبالرجوع إلى المادة (56) من الدستور فإن (اللام) الواردة في مفردة ( … لمجلس النواب …) تفيد اللزوم والوجوب والأمر وتسمى وحسب ما جاء بلسان العرب إذا ورّدت في بداية الكلمة ((… لام الأمر الجازمة …)).
ومثالها ما ورّد في القرآن الكريم ( … لينفق ذو سعةٍ من سعته…)) سورة الطلاق ، آية 7، وقوله تعالي (( … اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطايكم … )) سورة العنكبوت ، آية (12).
4- وقد تأيد ما سبق بالقرارات التفسيرية الصادرة عن المجلس العالي لتفسير الدستور منها القرار رقم (4) لسنة 2012 الذي ورد فيه أن اتهام الوزراء أو عدم اتهامهم على ضوء التعديلات الدستورية هو حق حصري لمجلس النواب، والذي تم تأكيده بموجب القرار رقم (6) لسنة 2012 الصادر بتاريخ 13/5/2012.
5- ونجد بأن قرارات المجلس العالي لتفسير الدستور لها قوة الدستور فقد قررت وبوضوح وبما لا يدع محلاً للاجتهاد أو التأويل إن اتهام الوزراء حق حصري لمجلس النواب وهي صلاحية استثنائية من القاعدة العامة لصلاحية النيابة العامة وهذا ما تأيد في المادة (103) من الدستور البليجكي.
لكل ما تقدم وحيث إن المشرع الدستوري لا يلغو، وأمام وضوح النص الدستوري بصيغته المعدلة المشار إليها آنفاً الذي أعطي حق الإحالة فيما يتعلق بالوزراء عند اتهامهم أو عدم اتهامهم لمجلس النواب وبأغلبية اعضائه وحيث إن الاتهام الموجه للوزير المعني في هذه الدعوى كان وزير عامل أثناء توجيه الشكوى له وعلى فرض ثبوتها الأمر الذي يجعل تحريك الدعوى بمواجهته مشروطاً بصدور إذن في مجلس النواب، وهو حق وجوبي لا جوازي للمجلس ويقيد بضوابط وشروط منها أن يصدر الإذن والإحالة بأغلبية الأعضاء ، وحيث لم يصدر مثل هذا الإذن أو هذه الإحالة من مجلس النواب ومما يخالف أحكام المادة (56) من الدستور، فإن ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف في قرارها المطعون فيه يخالف الأصول والقانون لورّود هذا السبب عليه مما يتوجب معه نقض القرار الاستئنافي رقم (18511/2014) تاريخ 18/5/2014)).
رابعاً: وبناءاً على ما تقدم كله نجد أنه من واجبنا أن نوصي بضرورة تعديل الدستور الأردني لإزالة أحكام المادة (56) التي تشترط صدور قرار إحالة من مجلس النواب إلى النيابة العامة من أجل محاكمة الوزراء فيما ينسب إليهم من جرائم ناتجة عن قيامهم بوظائفهم أو أية جرائم أخرى، فهذه عوائق وقيود تحول دون تحقيق العدالة، وتحصن الوزراء من المحاكمة.
المحامي إسلام الحرحشي
مدير مركز إحقاق للدراسات القانونية