أولاً: يتكرر في بعض الأحكام القضائية الصادرة عن المحكمة الادارية العليا أو المحكمة الادارية ما يلي:
((فإنه من المقرر في المادة (5/هـ) من قانون القضاء الإداري بأن لا تقبل الدعوى المقدمة ممن ليس له مصلحة شخصية، ويُستفاد من ذلك أن دعوى إلغاء القرار الإداري تتطلب لصحة قبولها توافر شرط المصلحة الشخصية والمباشرة (للطاعن أو المستدعي حسب مقتضى الحال)، ذلك أن الغاية من إقامة الدعوى هي الدفاع عن مصلحة ذاتية للطاعن أثر فيها القرار المطعون فيه تأثيراً مباشراً، فحيث لا مصلحة لا دعوى)).
ثانياً: من المسلم به أن المصلحة هي مناط أية دعوى قضائية، فحيث لا مصلحة لا دعوى، ولكن السؤال هو: هل يجب توافر المصلحة الشخصية للمستدعي لإقامة الدعوى الادارية؟؟ أم أن مجرد توافر المصلحة العامة يكون كافياً لقبول الدعوى الادارية شكلاً؟؟
ثالثاً: تنص الفقرة (هـ) من المادة (5) من قانون القضاء الإداري على أن (لا تقبل الدعوى المقدمة ممن ليس له مصلحة شخصية)، وبالتالي وسنداً لهذا النص تقرر المحكمة الادارية رد أية دعوى تقام لديها لا يتوافر في مقدمها المصلحة الشخصية، وبالتالي لا تقيم المحكمة وزناً للمصلحة العامة في حال توافرها، وقد جاء في بعض الأحكام الصادرة عن المحكمة الادارية العليا:
((يجب أن تحدد المصلحة وبصورة يكون فيها الطاعن بحالة مميزة عن الغير تؤهله إقامة دعوى الإلغاء وقبولها حماية لهذه المصلحة ودفاعاً عنها، وبهذا فإن دعوى الإلغاء لا تعتبر دعوى حسبة (دعوى عامة) وبأن يكون سبيل الطعن بطريق الإلغاء مفتوحاً يطرقه من يشاء وفي الوقت الذي يريد دفاعاً عن مبدأ المشروعية، ويجب أن تتوافر في الطاعن مصلحة شخصية ومباشرة بحيث لا تكون مصلحة الطاعن مختلطة بالمصلحة العامة وإنما يجب أن تتميز عنها وأن تكون مستقلة بذاتها وأن تكون المصلحة مشروعة، وأنه لا بد من توافر شرطين أساسيين لتوافر المصلحة الشخصية والمباشرة في المدعي:
1- أن يقيم المدعي وبحدود الصفة التي اختصم بها النظام الطعين الدليل على أن ضرراً قد لحق به اقتصادياً كان أم غير ذلك وأن يكون هذا الضرر مباشراً ومستقلاً بعناصره وممكناً إدراكه، لأن رقابة هذه المحكمة على القرارات والأنظمة لا يتوخى منها المشرّع أن تكون المصلحة بشأنها نظرية وإنما تكون رقابة المحكمة عليها لمواجهة أضرار واقعية بغية ردها وتصفية آثارها القانونية ولا يتأتى ذلك إلاّ إذا كانت المصلحة المراد حمايتها مصلحة شخصية مباشرة.
2- أن يكون الضرر ناتج عن النظام المطعون فيه، بما مؤداه قيام علاقة سببية بينهما بمعنى أن يكون الضرر المدعى به ناشئاً عن النص التشريعي ومرتبطاً به.
وحيث أن المستدعين (الطاعنين) لم يثبتوا توافر المصلحة الشخصية والمباشرة لهم في إقامة الدعوى ومباشرتها، مما ينبني عليه أن إقامة الدعوى ووفق ما بيّناه جاء فاقداً لأساسها القانوني)).
رابعاً: والسؤال المطروح هو ما مدى دستورية الفقرة (هـ) من المادة (5) من (قانون القضاء الإداري رقم 27 لعام 2014) التي تنص على ما يلي: (لا تقبل الدعوى المقدمة ممن ليس له مصلحة شخصية)، والجواب على هذا السؤال هو: إن اشتراط توافر المصلحة الشخصية شرطاً لقبول الدعوى لدى المحكمة الإدارية بموجب الفقرة (هـ) من المادة (5) من (قانون القضاء الإداري رقم 27 لعام 2014)، هو شرط غير دستوري مستند إلى نص غير دستوري؛ فالمصلحة وإن كانت شرطاً أساسياً لقبول الدعوى وفق المبادئ الفقهية والقضائية (لا مصلحة لا دعوى)، لكن لا يشترط أن تكون هذه المصلحة شخصية بل يكفي أن تكون هناك مصلحة عامة من الممكن تحققها من خلال دعوى الإلغاء، حيث تتساوى المصلحة الشخصية مع المصلحة العامة في دعوى الإلغاء وفق أحكام الدستور الأردني ونُبَيِّن فيما يلي أوجه مخالفة نص الفقرة (هـ) من المادة (5) من (قانون القضاء الإداري رقم 27 لعام 2014) للدستور:
النص الدستوري الذي تم مخالفته:
1- نص المادة (17) من الدستور الأردني التي تنص على ما يلي:
(للأردنيين الحق في مخاطبة السلطات العامة فيما ينوبهم من أمور شخصية أو فيما له صلة بالشؤون العامة بالكيفية والشروط التي عينها القانون).
2- نص الفقرة (1) من المادة (128) التي تنص على ما يلي:
(لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها).
ونوضح أوجه المخالفة للدستور كما يلي:
أولاً: يقضي نص المادة (17) من الدستور أن حق مخاطبة السلطات العامة هو حق دستوري ثابت لكل أردني وأن هذا الحق يحميه الدستور، فالأردني هو من يحمل الجنسية الأردنية وفق احكام قانون الجنسية؛ أي أن علاقة المواطن بالدولة هي علاقة قانونية، تنشئ له مركزاً قانونياً، يكون له حقوق على الدولة، وعليه واجبات لها، وقد كفل الدستور بمقتضى المادة (17) لكل أردني الحق في مخاطبة السلطات العامة.
ثانياً: إن مفهوم السلطات العامة الوارد في نص المادة (17) من الدستور يشمل جمع السلطات العامة في الدولة الأردنية لا سيما السلطات الدستورية الثلاث (السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية)؛ فالمواد (107 – 109) من (النظام الداخلي لمجلس الأعيان لعام 2014) قضت بأنه يحق لكل أردني أن يرفع إلى (مجلس الأعيان) عريضة فيما له صلة بالشؤون العامة أو شكوى فيما ينوبه من أمور شخصية، أي أن مجلس الاعيان الذي هو سلطة عامة وسلطته جزء من السلطة التشريعية قد عمل بمقتضى المادة (17) من الدستور فقرر الحق لكل أردني أن يرفع إلى المجلس عريضة فيما له صلة بالشؤون العامة أو شكوى فيما ينوبه من أمور شخصية، وكذلك فعل مجلس النواب، فالمواد (147 – 151) من (النظام الداخلي لمجلس النواب لعام 2013) قضت أيضاً بأنه يحق لكل أردني أن يرفع إلى (مجلس النواب) عريضة فيما له صلة بالشؤون العامة أو شكوى فيما ينوبه من أمور شخصية، أي أن مجلس النواب أيضاً الذي هو سلطة عامة وسلطته جزء من السلطة التشريعية قد عمل بمقتضى المادة (17) من الدستور فقرر الحق لكل أردني أن يرفع إلى المجلس عريضة فيما له صلة بالشؤون العامة أو شكوى فيما ينوبه من أمور شخصية، وكذلك فعلت السلطة التنفيذية، فجميع الدوائر والمؤسسات التابعة للسلطة التنفيذية تتلقى الشكاوى والبلاغات والعرائض وتقبلها من الأردنيين وغير الأردنيين في أمور شخصية أو أمور ذات صلة بالمصلحة العامة بدون قيد أو شرط.
ثالثاً: إن المحكمة الادارية هي سلطة عامة وهي جزء من السلطة القضائية وينطبق عليها مفهوم (السلطات العامة) الوارد في المادة (17) من الدستور، ويتوجب عليها بموجب المادة (17) من الدستور أن تقبل الدعاوى والطعون الإدارية إذا كانت الغاية منها الدفاع عن المصلحة العامة أو الدفاع عن مبدأ المشروعية مثلما تقبل الدعاوى والطعون الإدارية إذا كانت الغاية منها الدفاع عن المصلحة الشخصية لرافعها أو مقدمها.
وعليه يكون نص الفقرة (هـ) من المادة (5) من (قانون القضاء الإداري رقم 27 لعام 2014) التي تقضي بأن (لا تقبل الدعوى المقدمة ممن ليس له مصلحة شخصية) هو نص مخالف للمادة (17) من الدستور، لأن هذا النص القانوني يشترط لقبول الدعوى لدى المحكمة الإدارية أن يكون لمقدمها مصلحة شخصية، وأما إذا قدمها حماية للمصلحة العامة أو الدفاع عن مبدأ المشروعية فلا تقبل، في حين أن المادة (17) من الدستور قررت أن لكل أردني الحق في مخاطبة السلطات العامة – ومنها (المحكمة الادارية) التي تعتبر جزءاً من السلطة القضائية – في أي أمر شخصي أو أي أمر له صلة بالمصلحة العامة، ويترتب على ذلك أن نص الفقرة (هـ) من المادة (5) من (قانون القضاء الإداري رقم 27 لعام 2014) مخالف للمادة (17) من الدستور وعدم دستورية هذه الفقرة المشار إليها وبطلانها بطلاناً مطلقاً لا ترد عليه إجازة في دولة القانون الملتزمة بمبدأ المشروعية ومبدأ سمو الدستور.
رابعاً: إن الأدوات القانونية التي يخاطب بها الأردني السلطات العامة يجب أن تتناسب مع وظيفة هذه السلطة، وبما أن المحكمة الادارية هي سلطة قضائية تقبل الدعاوى الإدارية فإن الأداة القانونية التي تتناسب مع وظيفتها هي الدعوى أو الطعن على نحو ما يبين قانون القضاء الاداري.
خامساً: تقضي الفقرة (1) من المادة (128) بأنه لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها، وبالتالي فإن للأردنيين بصفتهم مواطنين أردنيين حق ثابت بمخاطبة (المحكمة الادارية) بالأداة القانونية المناسبة لها وهي الدعوى أو الطعن فيما ينوبه من أمور شخصية أو أمور ذات صلة بالمصلحة العامة، وعليه لا يجوز أن يتضمن قانون القضاء الإداري نصاً يوثر ويهدر حق الأردنيين في تقديم دعوى أو طعن في القرار الإداري حماية للمصلحة العامة أو مبدأ المشروعية بدعوى أن الفقرة (هـ) المطعون في دستوريتها تقضي بأن الدعوى لا تقبل ما لم يكن لرافعها مصلحة شخصية، فهذا هدر لحق الأردنيين في اللجوء للقضاء الإداري للطعن في قرار إداري يمس المصلحة العامة ويمس مبدأ المشروعية.
مركز إحقاق للدراسات القانونية