أولاً: جاء في أمر الدفاع رقم 8 لسنة 2020 الصادر بتاريخ (15/4/2020) ما يلي:
يحظر على كل شخص طبيعي أو معنوي القيام بما يلي:
- التعرّض لخصوصية المصابين أو المخالطين أو المشتبه بإصابتهم بالوباء، وكل ما يتعلّق بحياتهم الخاصة، كأسمائهم أو صورهم أو أماكن عملهم أو سكناهم، من خلال نشرها أو إعادة نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل الاتصال باستثناء الجهات المصرح لها بذلك.
- نشر أو إعادة نشر أو تداول أي أخبار حول الوباء من شأنها ترويع الناس أو إثارة الهلع بينهم عبر وسائل الإعلام أو الاتصال أو وسائل التواصل الاجتماعي.
وجاء فيه أيضاً أنه يعاقب كل من يخالف أيا من الالتزامات أو التدابير المفروضة بموجب أمر الدفاع هذا بالحبس حتى ثلاث سنوات أو بغرامة مقدارها ثلاثة آلاف دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين، ولا يحول تطبيق أي عقوبة بموجب أمر الدفاع هذا من تطبيق أي عقوبة اشد ورد النص عليها في أي تشريع آخر.
ثانياً: وبموجب مبدأ الأَثَر الفوريّ للقانون الجديد فإن أحكام أمر الدفاع رقم (8) تسري على المراكز القانونيّة والوقائع التي تحدث من تاريخ نفاذه، أي من تاريخ (15/4/2020)، وتكمنُ أهمّية هذا المبدأ في مَنْع تناقُض القانون الذي يسري تطبيقه على المراكز القانونيّة المُتماثِلة وعلى الوقائع المتماثلة، وذات الطبيعة الواحدة؛ فهو بذلك يضمن وحدة القانون الذي يحكمُ هذه المراكز وهذه الوقائع، وبالتالي فإن كل شخص طبيعي أو معنوي يقوم بنشر أو إعادة نشر أو تداول أي أخبار حول الوباء من شأنها ترويع الناس أو إثارة الهلع بينهم عبر وسائل الإعلام أو الاتصال أو وسائل التواصل الاجتماعي، وكل شخص طبيعي أو معنوي يتعرّض لخصوصية المصابين أو المخالطين أو المشتبه بإصابتهم بالوباء، وكل ما يتعلّق بحياتهم الخاصة، كأسمائهم أو صورهم أو أماكن عملهم أو سكناهم، من خلال نشرها أو إعادة نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل الاتصال – باستثناء الجهات المصرح لها بذلك – فإن هذه الأفعال تعتبر أفعال جرمية تستوجب العقوبة المفروضة بموجب أمر الدفاع رقم (8)، وهي الحبس حتى ثلاث سنوات أو بغرامة مقدارها ثلاثة آلاف دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين، ولا يحول تطبيق أي عقوبة بموجب أمر الدفاع هذا من تطبيق أي عقوبة اشد ورد النص عليها في أي تشريع آخر.
ثالثاً: وجدير بالذكر، هل جرائم النشر المبينة في أمر الدفاع رقم 8 لسنة 2020 تعتبر جرائم وقتية أم جرائم مستمرة؟؟ وبمعنى آخر هل من قام بنشر (منشور) على أحد وسائل الإعلام أو الاتصال أو وسائل التواصل الاجتماعي قبل سريان أمر الدفاع رقم (8)، أي قبل تاريخ (15/4/2020)، وتضمن هذا المنشور أخبار حول الوباء من شأنها ترويع الناس أو إثارة الهلع بينهم مثلاً، وما زال هذا (المنشور) قائماً بعد سريان أمر الدفاع رقم (8)، فهل سيعتبر فعل النشر هذا جرماً وتشمله أحكام أمر الدفاع رقم (8) باعتباره جريمة مستمرة؟؟ وبالتالي يجب على كل من قام بنشر (منشور) يخالف الأحكام المبينة في أمر الدفاع حذف هذا المنشور؟؟ أم أن هذا الفعل (فعل النشر) لا تشمله أحكام أمر الدفاع رقم (8)، وبالتالي لا يجب على كل من قام بنشر (منشور) يخالف الأحكام المبينة في أمر الدفاع حذف هذا المنشور؟؟
وللإجابة على هذا التساؤل الذي تم إثارته، نجد أن هناك تباين في الاجتهاد القضائي، ففي إحدى القضايا التي تابعناها قررت النيابة العامة الظن على أحد الأشخاص وقررت احالته للمحكمة المختصة بعدما اسندت له جرم نشر ما ينطوي ذم وقدح وتحقير خلافاً لأحكام المادة (11) من قانون الجرائم الالكترونية، وبعد ذلك قررت المحكمة إدانة هذا الشخص والحكم عليه بالحبس لمدة (3) أشهر، وبعد ذلك صدر قانون العفو العام وتم شمول هذه الجريمة بالعفو العام باعتبار أنها وقعت قبل تاريخ (12/12/2018)، ولأن (المنشور) الذي تم نشره بقي قائماً على صفحة هذا الشخص بعد صدور قانون العفو العام فقد تمت الشكوى بحقه باعتبار أن نشر هذا (المنشور) يشكل جريمة مستمرة تنطوي على ذم وقدح وتحقير، (فالجريمة المستمرة هي الجريمة التي تتكون من فعل يقبل الاستمرار فترة من الزمن ويتطلب تدخلا متجددا من إرادة الجاني للإبقاء على حالة الاستمرار بعد قيامها أي أن الجاني يمكنه وقف حالة الاستمرار بوقف نشاطه كجرم حيازة المخدرات وجرم استعمال محرر مزور)، وعليه قررت النيابة العامة احالته للمحكمة المختصة مرة أخرى واسندت له ذات الجرم، إلا أن المحكمة قررت وقف ملاحقة هذا الشخص باعتبار أنه تم ملاحقته عن هذا الجرم وبالتالي لا يجوز ملاحقته مرة ثانية، ولم تعتبر بقاء (المنشور) على صفحته جريمة مستمرة تستوجب العقاب رغم أن الفعل الضار (فعل النشر) ما زال مستمراً والضرر الناشئ عن هذا الفعل (الاساءة للسمعة والاعتبار) ما زال مستمراً أيضاً.
والسؤال الذي بحاجة لإجابة الآن، هل ستعتبر النيابة العامة والمحكمة المختصة جريمة النشر خلافاً لأحكام أمر الدفاع رقم (8) لسنة 2020 جريمة وقتية أم جريمة مستمرة؟؟ وبالتالي هل يجب على من قام بنشر منشور قبل (15/4/2020) وهذا المنشور يخالف أحكام أمر الدفاع رقم (8)، هل يجب عليه حذفه فوراً لكي لا يعاقب بالعقوبة المبينة أم لا يجب عليه ذلك؟؟
المحامي إسلام الحرحشي
مدير مركز إحقاق للدراسات القانونية