المحكمة الدستورية الاردنية ترد طعن مقدم من مواطنة اندونيسية بدستورية قانون منع الجرائم
– تم توقيف المواطنة الأندونيسية إدارياً لمدة تزيد عن ثلاث سنوات.
– محكمة استئناف عمان ترد دعواها بالمطالبة بالتعويض
حكمت المحكمة الدستورية الأردنية بهيئتها (برئاسة نائب الرئيس السيد محمد المحادين وعضوية السادة د. أكرم مساعدة وتغريد حكمت وأ.د ميساء بيضون ومحمد طلال الحمصي وهاني قاقيش ومحمد اسعيد وحسين القيسي) برد الطعن الذي تقدمت به مواطنة أندونيسية (أوقفها الحاكم الاداري إدارياً لمدة تزيد عن ثلاث سنوات) للطعن في نصوص تضمنها قانون منع الجرائم.
وتتلخص وقائق هذه القضية بما يلي:
أولاً: بتاريخ (6/4/2016) أقامت المدعية (مارسيني تشولادي داروس – اندونيسية الجنسية) دعواها لدى محكمة صلح حقوق عمان بمواجهة المدعى عليهم (رئيس الوزراء بالإضافة لوظيفته، ووزارة الداخلية، ووزير الداخلية بالإضافة لوظيفته، ومديرية الامن العام، ومدير الامن العام بالإضافة لوظيفته، ومديرية مراكز الاصلاح والتاهيل، ومدير مركز اصلاح وتاهيل الجويده، ومدير مركز اصلاح وتاهيل ام اللولو بالإضافة لوظيفته، ومحافظ المفرق بالإضافة لوظيفته -يمثلهم وكيل إدارة قضايا الدولة)، وموضوعها التعويض عن الضرر المادي والادبي مقدرة لغايات الرسوم بمبلغ مائة دينار، وقد جاء في لائحة دعواها ما يلي:
- حضرت المدعية وهي اندونيسية الجنسية الى المملكة في عام 2006 طلبا لكسب العيش للعمل كعاملة منزل وكان عمرها عند ذلك احدى وعشرون سنة وكانت بكرا.
- في عام 2007 تعرفت المدعية على المدعو رجل اردني واقعنها بأنه يحبها ويرغب الزواج بها واصطحبها الى المحكمة الشرعية حيث اعتقدت انه قد تمت اجراءات الزواج وانجبت المدعية من هذه العلاقة طفلين ولد وبنت.
- بعد ذلك قام الزوج المفترض بتطليقها واطلعها على ورقة اخبرها انها بموجبها قد طلقت.
- ثم وبعد مرور العدة تعرفت الى رجل اردني اخر تبين انه صديق للاول واقنعها بالزواج منه حيث توجها الى محكمة الجندويل الشرعية وظنت المدعية انه قد تمت اجراءات الزواج وانجبت من هذه العلاقة طفلة انثى وقبل ولادة طفلة المدعية الثالثة قامت ونظرا لحاجة الاطفال للرعاية قامت بتسليم زوجها الاول المفترض طفلهما الاول عدي تضع مولودتها الجديدة وعندما راجعته لتطالب به اذكر وجوده لدية ولا يزال يخفيه.
- نتيجة اخبار تلقته دائرة حماية الاسرة بالامن العام عام 2012 من زوجة اب الزوج الثاني تبين تعرض المدعية للخداع وانه لا يوجد زواج موثق ووجهت بهمة الاعتصاب للرجلين.
- تم احتجاز المدعية بموجب قرار من محافظ المفرق وبتنسيب من ادارة حماية الاسرة/ المفرق بمديرية الامن العام. وذلك من تاريخ 8/5/2012 وحتى 7/10/2015 وذلك حسب علمنا.
- تشكلت على ضوء الوقائع السابقة القضية الجنائية رقم 713/2012 لدى محكمة الجنايات الكبرى والتي ادانت الرجلين بجرم الاغتصاب وصدق بالتمييز في 30/6/2013.
- تم ايداع الطفلتين ابنتي المدعية الى احدى دور الرعاية ولا تزالا وحرمت المدعية من رعايتهما والتعرف اليهما وتعرفهما اليها كما يجب ومن عيش الحياة الاسرية الطبيعية طوال تلك المدة.
- لم يتم افهام المدعية بسبب توقيفها وحتى هذه اللحظة وكل ما تم اخبارها به انه اذا ارادت رؤية طفلتاها فان عليها اتباع الاجراءات والانتظار واستمر هذا الانتظار والرضوخ للامر ثلاث سنوات ونصف؟؟ قضتها المدعية متنقلة بين مراكز الاصلاح والتاهيل في حالة من الذهول والاستغراب مما تعرضت له من احتجاز لحريتها رغم وقوعها ضحية لجناية الاغتصاب.
- لم تراع أي من الجهات المدعى عليها الدستور الاردني والقوانين والانظمة واستخدمت ما لها من صلاحيات بالتوقيف استخداما في غير محله ما ادى الى احتجاز المدعية بشكل تعسفي طوال مدة ثلاث سنوات ونصف وبالتناوب من كل ذلك فان صدور أي قرار بالاحتجاز او التوقيف بموجب اية انظمة او تعليمات او قوانين مخالفة للدستور او الالتزامات الدولة بموجب اتفاقيات يجعلها فاقدة للمشروعية.
- لم تراع الجهات المدعى عليها ظروف المدعية وكونها ضحية وكونها اجنبية ولا تعرف اللغة العربية جيد ولم توافر لها اية ضمانات لمعرفة سبب احتجازها ناهيك عن الطعن به.
- المدعى عليهم مسؤولون بالتكافل والتضامن سوء مباشرة او بالتبعية باعتبار مسؤولية المتبوع عن فعل التابع عن احتجاز المدعية طوال هذه المدة وعدم تقديم أي من الضمانات المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية المصادفة عليها المملكة وعدم الالتزام بنصوص الدستور وعليه مسؤولون عن الحاق بالغ الضرر المادي والادبي بها بل وبالتناوب عدم تقديم أي من الضمانات وعدم اتباع أي من الاجراءات التي نص عليها قانون منع الجرائم.
- ان احتجاز المدعية طوال تلك المدة بالظروف المحيطة بحالتها ودون تمكينها من أي اجراء يمكنها من استعادة حريتها باي وسيلة لا يمكن باي حال من الاحوال اعتباره قد تم وفق احكام القانون بالمفهوم الوارد في المادة 8 من الدستور التي تنص على عدم جواز القبض على احد او حبسه او تقييد حريته الا وفق احكام القانون وبما يحفظ كرامته وعليه فان مجرد اعطاء القانون لجهة ما صلاحية تقييد حريته او الحجز لا يعني مشروعية هذا الاجراء بمجرد صدوره عمن يملك اصداره بل يجب مراعاة الاسباب الموجبة لمثل هذا القرار من جهة ومن جهة اخرى اعلام المحتجز حريته بسبب احتجازه واعطائه الفرصة للدفاع عن نفسه وللطعن بالقرار. وان ورود هذه الحقوق ضمن فصل حقوق الاردنيين وواجباتهم لا ينفي شمول غير المواطنين باحكام تلك المادة خاصة فيما يتعلق بالحقوق والحريات المضمونة بموجب الاتفاقيات الدولية ذات الشأن والتي وقعت عليها المملكة.
- من الواضح من ظروف احتجاز المدعية تلك المدة انه كان لجنسية المدعية دور في اتخاذ قرار الاحتجاز رغم كونها ضحية اغتصاب كذلك في عدم توفير اية ضمانات لها فلو كانت من جنسية اخرى لما تم اتخاذ هذا الاجراء التعسفى غير المبرر مطلقا لقد اعتبرت اتفاقية الامم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او اللاانسانية او المهنية التي صادقت عليها المملكة ان صدور الفعل على شخص بدافع التمييز لاي سبب كان يجعله مشمولا بتعريف المذكور بالمادة 1/1 من الاتفاقية بل ان الاجتهادات الاحكام المتعلقة بها جعلت من مجرد السلوك السلبي كالاهمال موجبا لاعتبار المهمل مسؤولا عن تعذيب تفسي… وبالتناوب فانه وبالحد الادنى مسؤول عن معاملة قاسية او لاانسانية ومهينة بالمفهوم الوارد بالمادة 16 من الاتفاقية وتلك المسؤولية يتحملها المدعى عليهم جميعا ومسؤولين عن تعويض المدعية بموجب هذه الاتفاقية.
- المدعية تستحق التعويض نتيجة مسؤولية المدعى عليهم كما سبق بموجب المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ( لكل شخص كان ضحية توقيف او اعتقال غير قانوني حق في الحصول على تعويض).
- وانه وبالرغم من عدم اتباع الاجراءات القانونية اللازمة التي تضمن حقوق المدعية عند توقيفها فانه على الفرض الساقط باتباعها فان تمسك المدعى عليهم بالقانون الداخلي لا يجوز باي حال من الاحوال ان يكون ذريعة لعدم تنفيذ التزامات الدولة بموجب الاتفاقيات الدولية حيث تنص المادة 27 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات انه في ما يخص: القانون الداخلي واحترام المعاهدات: (لا يجوز لطرف في معاهدة ان يحتج بنصوص قانونه الداخلي كمبرر لاخفاقة في تنفيذ المعاهدة..).
- وبالتناوب والتوازي فان المدعى عليهم مسؤولين عن تعويض المدعية بموجب نصوص القانون المدني حسب قواعد المسؤولية عن الفعل الضار والمسؤولية التقصيرية وغيرها من النصوص.
ثانياً: باشرت محكمة الصلح نظر الدعوى، وبجلسة 26/10/2017 وبناءً على طلب ممثل الجهة المدعى عليها قررت المحكمة اسقاط الدعوى اسقاطاً مؤقتا لغياب وكيل المدعية، وبتاريخ 16/12/2019 جددت وبعد اجراء الخبرة الفنية اعلنت محكمة الصلح بتاريخ 3/11/2020 عدم اختصاصها القيمي واحالة الدعوى الى محكمة بداية حقوق حسب الاختصاص.
ثالثاً: وبعد الاحالة قيدت الدعوى لدى محكمة بداية حقوق عمان وقد اصدرت (بهيئة القاضي فايز شجراوي) حكماً وجاهياً بتاريخ 27/1/2021 يقضي بما يلي:
- رد الدعوى عن رئيس الوزراء بالإضافة لوظيفته.
- عملاً بأحكام المادة 3 من القانون الجرائم والمواد 256 و 267 و 288 من القانون المدني إلزام المدعى عليهم ويمثلهم وكيل إدارة قضايا الدولة بدفع مبلغ 17220 دينار للمدعية.
- عملاً باحكام المادتين 161 و 166 من الاصول المدنية إلزام المدعى عليها بالرسوم والمصاريف ومبلغ 875 دينار أتعاب محاماة والفائدة القانونية من تاريخ اقامة الدعوى وحتى السداد التام.
رابعاً: لم يرتض ممثل المدعى عليهم وكذلك المدعية بهذا القرار وطعنا فيه استئنافاً لدى محكمة استئناف عمان التي قررت بهيئتها (برئاسة القاضي فراس الخشاشنة وعضوية القاضيين د. جمال هارون ومروان المحاميد) الحكم برد دعوى المدعية مع تضمينها الرسوم والمصاريف، ومبلغ (1312) ديناراً اتعاب محاماه عن مرحلتي التقاضي، وقد عللت محكمة الاستئناف حكمها برد الدعوى وسببته على النحو التالي:
((برجوعنا الى المادة (7) من الدستور، نجد انها تنص على ان الحرية الشخصية مصونه، كما ان المادة (8/1) منه تنص على انه لا يجوز ان يقبض على احد او يوقف او يحبس او تقييد حريته الا وفق احكام القانون.
ومفاد ذلك ان الاعتداء الذي منع الدستور وقوعه على الحرية الشخصية هو كل ما من شأنه تقييدها او المساس بما في غير الحالات التي يقرها القانون، والاصل ان الاشخاص الحكّمية يمكن مسألتها مسأله مدنية عن اعمالها امام القضاء المدني كلما امكن نسبة الخطأ اليها مباشرة او امكن نسبة خطأ وقع من احد تابعيها، ومسؤوليتها بالتعويض تتولد اذا كان القرار الاداري ينطوي على مخالفة القوانين او الانظمه او اساءة استعمال السلطة وان يلحق صاحب الشأن ضرر وان تقوم علاقة سببيه بين الفعل غير المشروع الصادر من الاداره او احد تابعيها وبين الضرر تطبيقاً للقاعدة العامة المنصوص عليها في المادة (256) من القانون المدني والتي تنص على ان كل اضرار بالغير بالزام فاعله بضمان الضرر، كما ان الاداره مسؤوله أمام المضرور على اساس مسؤولية المتبوع عن اعمال التابع المنصوص عليها في المادة (288) من القانون المدني والتي تنص على انه:
أ- لا يسأل احد عن فعل غيره، ومع ذلك فللمحكمة بناء على طلب المضرور اذا رأت مبرراً ان تلزم باداء الضمان.
….
ب- من كانت له على من وقع منه الاضرار سلطة فعليه في رقابته وتوجيهه ولو لم يكن حراً في اختياره اذا كان الضرر قد صدر من التابع في حالة تأدية الوظيفة او بسببها.
والمقرر فقهاً وقضاءً ان مسؤولية المتبوع عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع على النحو الذي بينته المادة (288/1/ب) سالفة الذكر تقوم على خطأ مفترض (فعل اضرار) في جانب المتبوع فرضاً لا يقبل اثبات العكس متى كان العمل غير المشروع قد وقع منه اثناء تأدية وظيفته او بسببها او ساعدته هذه الوظيفه او هيأت له أتيان فعله غير المشروع، وتقوم علاقة التبعية كلما كان للمتبوع سلطة فعليه على التابع في الرقابة والتوجيه ولو كانت هذه الرقابة قاصره على الرقابة الادارية، كما تقوم تلك العلاقة على توافر الولاية في الرقابة والتوجيه بحيث يكون للمتبوع سلطة فعلية في اصدار الاوامر الى التابع وطريقة اداء علمه وفي الرقابة عليه في تنفيذ هذه الاوامر ومحاسبته.
كما ارست المادة (61) من القانون المدني قاعده عامة مفادها ان من استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يضمن ما ينشأ عن هذا الاستعمال من ضرر، كما بينت المادة (66) من نفس القانون القيود الواردة على تصرف صاحب الحق اذا استعمله استعمالاً غير مشروع وهي اذا توافر قصد التعدي لديه او كانت المصحلة المرجوه من فعله غير مشروعه او كانت المنفعه منه لا تتناسب مع ما يصيب الغير من ضرر او اذا تجاوز ما جرى عليه العرف والعاده.
والمــــحكـــمة بعد اطلاعها على اوراق الدعوى وتمحيص بيانتها ومراجعة النصوص القانونية التي تحكم هذه الخصومة، فأنها ترى ان مناط الفصل في هذه الخصومة يتوقف على تحديد ما اذا كانت الافعال المنسوبة للمدعى عليهم تمثل خطاءً شخصياً بحيث يسألون عما سببوه من ضرر ارتبط به برابطة السببية بأموالهم الخاصة ام خطأً مرفقياً يوجب مسألة المرفق ذاته عن التعويض ام خطأً يوجب مسالتهم مجتمعين.
وقد استقر الفقه على ان الخطأ المرفقي هو الخطأ الذي نسب الى المرفق ذاته لسبب يعزا لسوء تنظيمه او ادارته، ولو كان من قام بهذا الخطأ ماديا احد العاملين به، ويقوم على اساس ان المرفق ذاته هو الذي تسبب في الضرر لانه لم يؤدي الخدمة وفقاً للقواعد التي يسير عليها سواء أكانت هذه القواعد خارجية اي وضعها المشرع ليلتزم بها المرفق ام داخلية أي سنها المرفق نفسه ويقتضيها السير العادي للامور بشرط ان يكون استعمال هذه القواعد غير مصحوب بخطأ جسيم.
وفيصل التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي يكمن في البحث وراء نية الموظف، فاذا كان يهدف من القرار الذي اصدره تحقيق لصالح العام او كان قد تصرف ليحقق احد الاهداف المنوط بالاداره تحقيقها والتي تدخل في وظيفتها الادارية، فان خطأه يندمج في اعمال الوظيفه بحيث لا يمكن فصله عنها ويعتبر عن الاخطاء المنسوبة للمرفق العام ويكون خطأ الموظف هنا مرفقياً، اما اذا تبين ان الموظف لم يعمل للصالح العام او كان مدفوعاً بعوامل شخصية وهو يؤدي واجبات وظيفته بقصد التعدي او تغيا منفعته الذاتية او بلغ تصرفه او فعله الخاطئ حداً من الجسامه يصل الى حد ارتكاب جريمة تقع تحت طائلة قانون العقوبات، فان خطأه في هذه الحاله يعتبر خطأءً شخصياً ويتحمل هو نتائجه من ماله الخاص.
ولما كان ذلك، وكان البين من الحكم المطعون فيه انه اقام قضاءه على افتراض الخطاء المرفقي الجسيم في جانب محافظ المفرق عندما اعتبر ان مجرد توقيف المدعية التي كانت ضحية لجريمتي اغتصاب ثابته بحكم جزائي قطعي يعد بمثابة انحراف في استعمال السلطة واجراءً مخالفاً للضوابط والشروط المحددة في قانون منع الجرائم، وحيث ان المستفاد من احكام المواد (3/3 و 5/2 و 8) من هذا القانون ان للمحافظ صلاحية التوقيف الاداري حماية للمجتمع من عبث العابثين وحفاظاً على الامن والسلامه اذا استبان له بعد التحقيق مع شخص من صنف الاشخاص الذين حددتهم المادة (3) المذكورة ان تركه حراً طليقاً بلا كفاله يشكل خطراً على الناس ويمتنع عن تقديم الكفاله، فانه يكون قد اقام قضائه على واقعة ظنّيه افترضها دون ان يكون في الاوراق ما يرشح لقيامها او توفر دليل ثبوتها.
وحيث انه وبأفتراض ثبوت خطأ محافظ المفرق بتوقيف المدعية وثبوت الخطأ المرفقي في جانب باقي المدعى عليهم خلال الاجراءات التي صاحبة توقيفها استناداً القانون منع الجرائم رقم 7لسنة 1954، الا انه لم يرق الى الخطأ الجسيم أو كان ناتجاً عن سواء الادارة او سوء التنظيم، ولم يرتكبه اي منهم بدافع الاهمال او مخالفة القوانين او الانظمه او التعسف في استعمال السطلة او بدافع الغرض والمصلحة الشخصية وقصد التعدي، وكانت مسألتهم رهينة بثبوت خطائهم الجسيم على نحو ما سلف الاشارة اليه، فأن اهدار الحكم الطعين النص الخاص الوارد في المادة (263/2) من القانون المدني والقاعده العامه المنصوص عليها في المادة (61) من ذات القانون وحجية القرار الاداري المتمتع بقرينة السلامة ينطوي على فساد في الاستدلال جره الى الخطأ في تطبيق القانون، مما يوجب فسخه ورد دعوى المدعية لعدم الاثبات وفقاً لهذه الاسباب دون حاجة للرد على باقي اسباب هذا الاستئناف)).
خامساً: لم ترتض المدعية بحكم محكمة الاستئناف فطعنت فيه لدى محكمة التمييز وقدمت لديها دفعاً بعدم دستورية الفقرة (3) من المادة (3)، والفقرة (2) من المادة (5)، والمادة (8) من قانون منع الجرائم بداعي مخالفتها لأحكام المواد (8 و 27 و 101 و 102 و 103 و 128) من الدستور، فقررت محكمة التمييز إحالة الدفع بعدم دستورية هذه النصوص للمحكمة الدستورية صاحبة الاختصاص بالفصل في مدى دستوريتها، والتي حكمت بتاريخ (15/1/2023) برد الطعن الدستوري موضوعاً، وقد عللت المحكمة الدستورية حكمها برد الطعن وسببته على النحو التالي:
((ولما كان الأصل أن الأعمال التشريعية الصادرة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية على شكل قوانين وانظمة تصدر متمتعة بقرينة الدستورية، فإن من مقتضيات هذا المبدأ أن لا يُقضى بعدم دستورية النص المطعون فيه إلا إذا كان التعارض واضحاً بين النص المطعون بعدم دستوريته وبين النص الدستوري.
وحيث أن الفصل في دستورية النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور لا يتصل بكيفية تطبيقها عملياً ولا بالصورة التي يفهمها القائمون على تنفيذها، وإنما مردُّ الأمر بشأن اتفاقها مع الدستور او خروجها عليه الى الضوابط التي فرضها الدستور على الاعمال التشريعية جميعها، كما أن سوء تطبيق نصوص القانون أو الخطأ في تفسيرها أو تاويلها – بفرض وقوعه – لا يوقعها في نطاق عدم الدستورية اذا كانت صحيحة في ذاتها.
وإن من المبادئ المستقرة أن القضاء الدستوري هو قضاء رقابة على دستورية النصوص القانونية بما يكفل حماية نصوص الدستور، وليس قضاء ملائمة النصوص القانونية التي يتبناها المشرع.
وإن رقابة القضاء الدستوري تضل رقابة مشروعية لا رقابة ملائمة ولا تمتد الى رقابة السياسة التشريعية.
وبهذا تقتصر الرقابة التي تمارسها المحكمة الدستورية على بحث مدى تعارض القوانين والانظمة النافذة مع نصوص الدستور وروحه وهو ما يتفق مع المبادئ الدستورية العامة ولا يخالف بوجه خاص مبدأ الفصل بين السلطات.
وحيث إن قانون منع الجرائم هو قانون وقائي هدفه منع الجريمة ويطبق حصرياً على حالات حددتها المادة الثالثة منه فإن المشرع يكون قد اخذ من بين البدائل المتاحة بنصوص هذا القانون، وهدفه في ذلك الحفاظ على الأمن العام والسلم المجتمعي، وإن الاجراءات والتدابير الاحترازية المنصوص عليها في المواد (3/1 و 5 و 8 و 10) هي اجراءات تستهدف تحقيق غايته المرجوه منعاً ودراءاً لأي اعتداء يمكن وقوعه.
وفيما يتعلق بالاحكام الواردة في قانون منع الجرائم رقم 7 لسنة 1954 فإنها تكفل لكل ذي مصلحة الضمانات الاساسية للطعن في القرار الذي يتخذه المحافظ أو من يقوم مقامة؛ إذ إنه قرار اداري قابل للطعن وفقا لاحكام المادة (5/أ) من قانون القضاء الاداري رقم 27 لسنة 2014، وقد سبق وأن اصدرت المحكمة الادارية العليا ومن قبلها محكمة العدل العليا أحكاماً قضت بالغاء العديد من قرارات التوقيف غير المشروعة.
كما أجاز القانون لوزير الداخلية فرض رقابته على صحة وسلامة قرار المحافظ باعتباره سلطة رئاسية ايضاً، فقد نصت المادة 10 من القانون:
“يجوز لوزير الداخلية في أي وقت شاء أن يلغي أي تعهد اعطي بمقتضى هذا القانون أو أن يعدله لمصلحة الشخص الذي اعطاها”.
فهذه الرقابة تشكل ضمانه بأن أعمال الحكام الاداريين تقع ضمن المشروعية وتكفل حسن تنفيذ القانون بما يحقق الغاية منه.
وفي ضوء ما تقدم بيانه فان النصوص القانونية موضوع هذا الطعن تخلو من اي شبه دستورية.
وحيث إن النصوص المطعون بعدم دستوريتها قد جاءت تعبيراً عن إرادة المشرع ولم تخرق حرمة النص الدستوري ولم تتجاوز حدوده ولا تشكل تعدياً على الاختصاص القضائي أو مصادرةً للحقوق والحريات الأساسية التي تضمنها الدستور فيكون هذا الطعن مستوجب الرد، لهذا نقرر الحكم برد الطعن)).
مركز إحقاق للدراسات القانونية