قالت محكمة التمييز وفي معرض جوابها على السؤال المثار حول إذا ما كانت تدابير (بدائل التوقيف) تخضع لمدد محددة من حيث انتهائها أم لا ؟ وهل هذه المدد هي ذاتها التي حددها المشرع لتدبير (التوقيف)؟
وفي متن قرارها أكدت محكمة التمييز أن الإجراء الأصلي الذي أوجده المشرع لغايات ضمان سلامة التحقيق في الدعوى الجزائية هو التوقيف وقد حدد المشرع أحكام هذا الإجراء وطرق الطعن المتعلقة به في المادة (114) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
وقد وضحت محكمة التمييز في قرارها أن المشرع الأردني قد واكب وتماشى مع التطورات المتعلقة بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية المستهدفة ضمان الحرية الشخصية ومبدأ المحاكمة العادلة ووضع ضوابط شفافة ومدد محددة من حيث متى يكون التوقيف وما هي الشروط الواجب توافرها للجوء إليه والسقف الزمني لاستمراره سواء في القضايا الجنحوية أم الجنائية، وقالت المحكمة أن المشرع الأردني قد أفصح عن فهمه وتقديره لمدى خطورة التوقيف على الحرية الشخصية وقساوته على الفرد متحرزاً بضوابط ومدد شديدة الوضوح كي لا يستغل إجراء التوقيف لغايات التعسف بحق الشخص المشتكى عليه أو للضغط عليه للحصول منه على تسويات في دعاوى في الأصل طابعها مدني.
وقد جاء في قرار محكمة التمييز ما يلي:
((ونجد أنه عندما وجد المشرع الأردني كالعديد من المشرعين في معظم الدول التي يسود فيها القانون أن هذه الضوابط لم تعد كافية لتجنيب الفرد (المشتكى عليه) مساوئ التوقيف وما يترتب عليه من ضرر بالرغم من موجباته فأخذ بما سبقته إليه التشريعات المقارنة واستحدث بالتالي ما سمي بالتدابير البديلة للتوقيف ونص عليها في المادة (114 مكررة) من قانون أصول المحاكمات الجزائية وهي:
أ. الرقابة الإلكترونية.
ب. المنع من السفر.
ج. الإقامة في المنزل أو المنطقة الجغرافية للمدة التي يحددها المدعي العام أو المحكمة وتكليف الشرطة بالتثبت من ذلك.
د. إيداع مبلغ مالي أو تقديم كفالة عدلية يعين المدعي العام أو المحكمة مقدار كل منها.
هـ. حظر ارتياد المشتكى عليه أماكن محددة.
ونجد أن أول ما أكده المشرع الأردني في مطلع هذه المادة هو التأكيد على مبدأ عدم اتخاذ هذه التدابير إلا في الجنح وفقط في الأحوال التي يجوز فيها التوقيف.
كما نجد أن المشرع قد أورد الأحكام التي تخضع لها هذه التدابير في الفقرة الثانية من المادة (114 مكررة) كما يلي:
أ. أعطى الحق للمدعي العام أو المحكمة تلقائياً أو بناءً على طلب النيابة العامة أو المشتكى عليه أن ينهيا أو يضيفا أو يعدلا تدبيراً أو أكثر من التدابير المنصوص عليها في الفقرة الأولى.
وهنا نشير إلى أنه إذا كان الطلب مقدماً من المشتكى عليه فلا يمكن تصور الإضافة إلا أنه من الممكن استبدال تدبير أشد بآخر أقل قسوة على المشتكى عليه أو إنهاء التدبير .
ب. في حالة إخلال المشتكى عليه بأي من التدابير المترتبة عليه جاز للمدعي العام أو المحكمة الرجوع إلى الإجراء الأصلي أي التوقيف مع جواز مصادرة الكفالة لمصلحة الخزينة في حال كانت الكفالة هي أحد التدابير المتخذة بحق المشتكى عليه.
ج. فيما خلا ما ورد من أحكام خاصة أي فيما عدا الحالتين (أ و ب) أعلاه يسري على التدابير ما يسري على التوقيف من أحكام وطرق طعن ورد النص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية.
وفي الحالة المطروحة نجد أن ما ورد في الفقرة الأخيرة هو ما يثير الجدل والتساؤل حول تفسير مصطلح (أحكام) هل يقصد به أيضاً المدد الواجب التقيد بها في حالة التوقيف وانسحابها على التدابير أم لا ؟
وقبل البحث في ذلك لا بد من بيان أمور جوهرية تتعلق بتحديد طبيعة التوقيف والتدابير البديلة له وهنا نجد أن الإجراءات سواء الأصلية أو البديلة الواردة في النصين (114 و114 مكررة) من قانون أصول المحاكمات الجزائية تنقسم من حيث طبيعتها إلى:
أ. إجراء مانع للحرية (التوقيف).
ب. إجراء مقيد للحرية (المنع من السفر والإقامة في المنزل والمنطقة الجغرافية المحددة وحظر ارتياد أماكن محددة والرقابة الإلكترونية).
ج. إجراء ضمان الحضور وقت الطلب (الكفالة العدلية والإيداع النقدي).
وفي هذا السياق لا بد من الوقوف على إرادة المشرع وقصده بإيراد هذه الإجراءات انطلاقاً من الغاية والحكمة التي استحدثت هذه النصوص من أجلها فالتوقيف والتدابير البديلة هي إجراءات أوجدها المشرع لغايات حسن سير إجراءات التحقيق بشكل سليم دون عوائق وهذا بدوره ينسحب أيضاً على مرحلة المحاكمة فإن توفرت لدى المدعي العام القناعة بأن إجراءات التحقيق تسير على أكمل وجه ودون معوقات فإنه من المفترض به عدم اللجوء إلى التوقيف أو التدابير البديلة أما إذا تحققت القناعة لدى المدعي العام أن أسباب التوقيف متوفرة ولكنه لا يرغب باللجوء إلى التوقيف لما هو معروف عنه من آثار قاسية على المشتكى عليه فإنه يستعيض عنه باللجوء إلى التدابير البديلة بمعنى أنه يلجأ للتدبير البديل ابتداءً وفي هذه الحالة إذا كان التدبير الذي لجأ إليه المدعي العام هو من التدابير المقيدة للحرية فإنه بحكم المنطق يأخذ حكــــم التوقيف من حيث بداية المدد ونهايتها إذ لا يعقل أن يكون الإجراء البديل المقيد للحرية أشد وطأة على المشتكى عليه من الإجراء الأصلي (التوقيف) المانع للحرية أما إذا لجأ المدعي العام ابتداءً إلى التدابير البديلة التي تعتبر إجراءات ضمان الحضور وقت الطلب (الكفالة العدلية والإيداع النقدي) فلكونها إجراءات لا تمس الحرية والحضور قد يكون مطلوباً في أية مرحلة من مرحلتي التحقيق والمحاكمة فإنه بحكم العقل والمنطق لا بد أن تنتهي هذه التدابير بانتهاء الدعوى ولا تنسحب عليها مدد التوقيف والتدابير المقيدة للحرية سابقة الإشارة.
كما تجدر الإشارة إلى أن المشرع في نص المادة (114 مكررة) من قانون أصول المحاكمات الجزائية قد منح المدعي العام أو المحكمة استبدال تدبير بآخر إذا طلب المشتكى عليه ذلك أما إذا طلب إنهاء التدبير المقيد للحرية فهنا نجد أنه لا يوجد ما يمنع من استبدال التدبير المقيد للحرية بالكفالة أو الإيداع المالي المناسب شريطة عدم التعسف كما أشرنا بالرغم من أن الطلب وارد من المشتكى عليه لإنهاء التدبير)).
مركز إحقاق للدراسات القانونية