قررت محكمة التمييز بهيئتها العامة اجتهاداً جديداً برئاسة القاضي د. مصطفى العساف وعضويــة القضـــاة (د.سعيد الهياجنة ونـاصر التل وهاني قاقيش ود. فؤاد الدرادكة ود. عيسى المومني ومحمود البطوش وفايز بني هاني ومحمد عمر مقنصة) يقضي بأن عزل الموكل للمحامي الوكيل الذي لا يحضر جلسات المحاكمة هو أمر مشروع ولا يستحق المحامي أتعاب المحاماة.
وقد عللت المحكمة قرارها وسببته على النحو التالي:
((وعن باقي أسباب التمييز وحاصلها تخطئة محكمة البداية بصفتها الاستئنافية باستحداث معيار جديد لا يقوم على أساس في الفقه والقانون وهو معيار الشعور بالأمان وعدم الأخذ بمعيار حصول الضرر وأن محكمة التمييز بينت أن المعيار المعتمد هو حصول الضرر من عدمه كما أخطأت المحكمة باعتبار غياب المميز عن جلستين لم يتم سماع أي شاهد فيهما والتي كانت لاستكمال التبليغات مبرر للعزل وخالفت المحكمة قرارات محكمة التمييز أرقام ( 3597/2011) و (1935/2014) و (1686/2014) كذلك لم تأخذ المحكمة بالشكوى المقدمة من المميز ضده (الموكل) إلى نقابة المحامين والتي تم حفظها ولم تشر المحكمة إلى حضور المميز (المحامي) أمام المدعي العام وتصوير الملف ولم تأخذ المحكمة فيما يتعلق بمشروعية العزل وعدم حصول الضرر من عدمه وفقاً لقرارات محكمة التمييز.
وفي ذلك تجد محكمتنا أن المميز (المحامي) كان قد اتفق مع المميز ضده (الموكل) بموجب اتفاقية أتعاب محاماة موقعة من الطرفين ليقوم المميز بالدفاع عن المميز ضده بالدعوى التي موضوعها خطأ طبي على أن يقوم المميز ضده بدفع مبلغ (13000) دينار أتعاب محاماة وذلك أمام المدعي العام وأمام المحكمة وعلى أن يتحمل المميز ضده مصاريف الدعوى ورسومها وأجور الخبراء وبدل الانتقال وإن المبلغ المقبوض على حساب الاتفاقية والبالغ (5000) دينار هو حق مكتسب للمميز وأنه ترصد مبلغ (8281) ديناراً بذمة المميز ضده وهو عبارة عن باقي الأتعاب إضافة لمبلغ (281) ديناراً بدل رسوم التمييز.
حيث توصلت المحكمة الاستئنافية إلى أن العزل يتفق وحكم المادة (48) من قانون نقابة المحامين لأن العزل استند إلى سبب مشروع وعلى ضوء ذلك فإنه لا يستحق بدل أتعاب محاماة ولا يغير من هذه النتيجة الشكوى التي تقدم بها المميز ضده إلى نقابة المحامين والتي تقرر حفظها.
وتجد محكمتنا أن النتيجة التي توصلت إليها محكمة البداية بصفتها الاستئنافية جاءت نتيجة لوزنها للبينات المقدمة في الدعوى والتي هي من صلب اختصاصاتها وفقاً لحكم المادتين (33 و 34) من قانون البينات بصفتها محكمة موضوع فلها الأخذ بالأدلة وترجيحها ولها طرحها إذا ساورها الشك بصحتها ولا معقب عليها في ذلك الأمر الذي طالما أن الأدلة التي استندت إليها لها أصل ثابت بالدعوى ولا يقوم على أدلة وهمية لا وجود لها.
وباستعراض محكمتنا للبينات المقدمة في الدعوى نجد أن المادة (48) من قانون نقابة المحامين نصت على (للموكل أن يعزل محامية وفي هذه الحالة يكون ملزماً بدفع كامل الأتعاب عن تمام المهمة الموكولة إلى المحامي إذا كان العزل لا يستند إلى سبب مشروع).
من ذلك نخلص إلى أن المحامي في حال عزله يستحق الأتعاب إلا إذا ثبت أن العزل كان لسبب مشروع فإذا استند العزل إلى سبب مشروع فلا يستحق الأتعاب (وليس تحقق الضرر) وإنما يتحقق بالتقصير والإهمال الذي يقع من الوكيل (انظر تمييزات حقوق أرقام 5866/2020 و409/2012 و3097/2011) أما إذا ثبت أن العزل لا يستند إلى سبب مشروع فإنه يستحق أتعاب المحاماة.
إذاً فإن معيار استحقاق الوكيل لأتعاب المحاماة عند عزله هو عدم مشروعية سبب العزل وليس تحقق الضرر للموكل.
وتجد محكمتنا أن عدم حضور الجلسات هو مخالفة لقانون نقابة المحامين وتعليمات لائحة آداب مهنة المحاماة وقواعد السلوك للمحامين النظاميين المادة (20/أ+ ب).
وبالرجوع إلى محاضر الدعويين التحقيقية للوقوف على مدى تحقيق الوكيل للغاية التي يتوخاها الموكل من توكيله نجد أن الوكيل مثل أمام المدعي العام برفقة الموكل حيث تم استجوابه وبعد ذلك تم إقفال التحقيق وأحيلت الدعوى إلى محكمة بداية الجزاء لمحاكمة الظنين (الموكل عن جرم التسبب بالوفاة) حيث سجلت لدى محكمة بداية الجزاء وكانت أول جلسة بتاريخ 27/3/2017 وقد استمرت المحاكمة لغاية 17/9/2017 حيث تم محاكمته غيابياً وفي جلسة 9/10/2017 حضر الظنين (الموكل) لوحده وتم سؤاله عن الجرم وأجلت إلى يوم 26/10/2017 ولم يحضر هذه الجلسة هو أو وكيله فتقرر إجراء محاكمته بمثابة الوجاهي وأجلت إلى يوم 15/11/2017 حيث حضر عن المميز ضده محامٍ آخر وقد ثبت من خلال المرافعة المقدمة من المميز أمام محكمة الصلح علمه بإحالة الدعوى من المدعي العام إلى محكمة البداية مما كان عليه متابعة هذه الدعوى والمثابرة على الحضور وأن لا يقوم بأي إجراء من شأنه إطالة أمد التقاضي مما يشكل إخلال من المدعي (المحامي) بالواجب القانوني المفروض عليه بموجب المادتين (44/2) من قانون نقابة المحامين و(20/أ + ب ) من لائحة آداب مهنة المحاماة وقواعد السلوك للمحامين النظاميين.
وهذا الإخلال يعتبر سبباً مشروعاً يبرر للموكل عزله لأن عدم حضور جلسات المحاكمة ومتابعتها يعتبر إهمالاً وتقصيراً من جانب المدعي.
وحيث إن محكمة البداية وبصفتها الاستئنافية وبما لها من صلاحية بوزن البينات توصلت إلى النتيجة ذاتها والمستمدة من أوراق الدعوى ولا تقوم على أدلة وهمية لا وجود لها فإن إصرارها على حكمها السابق يتفق وصحيح القانون مما يستوجب الرجوع عن القرارين التمييزيين الصادرين في هذه الدعوى.
وعليه فإن رد دعوى المدعي استناداً إلى أن عزل المدعي عن الوكالة كان مبرراً ومشروعاً يتفق وحكم المادة (48) من قانون نقابة المحامين الأمر الذي لا يستحق معه المدعي الحكم له بالأتعاب المدعى بها)).
مركز إحقاق للدراسات القانونية