إشكالية جرائم الذم والقدح الإلكترونية والقواعد العامة في قانون العقوبات
صدر قانون الجرائم الالكترونية رقم 27 لسنة 2015 بتاريخ 1/6/2015 وأصبح جزءاً من منظومة التشريعات الجزائية الأردنية، وقد نص القانون في المادة (11) منه على ما يلي:
(يعاقب كل من قام قصدا بإرسال او اعادة ارسال او نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتية او الموقع الالكتروني او اي نظام معلومات تنطوي على ذم او قدح او تحقير اي شخص بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة اشهر وبغرامة لا تقل عن 100 مائة دينار ولا تزيد على 2000 الفي دينار).
وقد أثارت هذه المادة إشكاليات عدّة متعلقة بالأحكام المرتبطة بجرائم الذم والقدح والتحقير الواردة في قانون العقوبات ومنها الأحكام المتعلقة بالتقادم واشتراط الشكوى واتخاذ صفة الادعاء بالحق لشخصي وأثر اسقاط الحق الشخصي على الحق العام في هذه الجرائم.
وعلى الرغم من بعض القرارات الجريئة لقضاة محاكم الصلح ومحاكم البداية بصفتها الاستئنافية بالأخذ بالقواعد العامة الواردة في قانون العقوبات بخصوص جرائم الذم والقدح والتحقير والجرائم التي اشرط فيها القانون لتحريك الدعوى العامة بشكوى المتضرر ، إلا أن أغلب قضاء هذه المحاكم الآن قد اتجه الى عدم الأخذ بهذه لقواعد العامة وعدم مراعاتها بخصوص جرائم الذم والقدح والتحقير خلافاً لأحكام المادة(11) من قانون الجرائم الالكترونية على اعتبار أن هذا القانون قانون خاص وهو الأولى بالتطبيق ونظراً لخلو القانون من الأحكام التي وردت في قانون العقوبات فيتعين على المحاكم عدم الاخذ بها والاكتفاء بما ورد في قانون الجرائم الالكترونية.
والملفت ان محكمة التمييز بصفتها الجزائية وفي قرارها رقم 648/2019 المتعلق بتعيين المرجع المختص قد تعرضت لهذا الأمر تعرضاً سريعا ومقتضيا وقررت ان جرائم والذم والقدح وفقاً للمادة (11) من قانون الجرائم الالكترونية لا تتوقف الملاحقة فيها على اتخاذ صفة الادعاء بالحق الشخصي، بمعنى أنها تستبعد العودة لأحكام قانون العقوبات التي تشترط اتخاذ المشتكي صفة الادعاء بالحق الشخصي ولكنها في قرارات أخرى على سبيل المثال القرار رقم 3291/2018 نجد أنها قد نقضت قراراً لمحكمة استئناف معان بالقول: (بالرجوع الى القرار الطعين نجد ان المحكمة لم تقم بمناقشة أركان وعناصر التهمة المسندة ولم تبين كيف ان افعال المستدعي قد شكلت جرم ذم وتحقير خلافا لأحكام المادة (11) من قانون الجرائم الالكترونية ولم تبين ما هو التحقير وأين أركانه وعناصره وهي في ذلك قد خالفت القانون واصدرت قراراً مبهماً مفتقراً للتسبيب والتعليل مما يجعل سبب الطلب وارداً عليه ويتعين نقضه).
وهذا يعني ان محكمة التمييز توجه المحكمة المطعون بقرارها إلى بحث اركان وعناصر جرم الذم والقدح والتحقير ومناقشة توافر عناصر الركن الماي لهذه الجريمة وهذا يعني بالضرورة ان على المحكمة المطعون بقرارها العودة للأحكام العامة الواردة في قانون العقوبات التي عرّفت جريمة الذم والقدح والتحقير وبينت أركانها وعناصرها المادية وذلك لخلو قانون الجرائم الالكترونية من أي اشارة الى مفهوم هذه الجرائم وأركانها وعناصرها.
ان الاستناد الى ان قانون الجرائم الالكترونية (كونه قانون خاص) دون الرجوع للقواعد العامة في قانون العقوبات المتعلقة بجرائم الذم والقدح والتحقير هو استناد غير صحيح وغير منطقي بل ينمُ عن فهم غير دقيق للقاعدة الفقهية التي تقضي ان القانون الخاص يقيد العام من عدة أوجه:
أولاً: إن مفهوم قاعدة ان القانون الخاص يقيد العام لا يعني ان القانون الخاص يلغي القانون العام أو يوقف العمل به أو يُنهي مفاعيله لان النص التشريعي لا ينتهي إلا بإلغائه بنص تشريعي موازٍ له في المرتبة أو أعلى منه مرتبة ونشير هنا الى نص المادة (5) من القانون المدني والذي يعتبر أباً للقوانين ويتم الرجوع اليه عند اشكاليات فهم المصطلحات والمرامي التشريعية حيث تقول:
(لا يجوز الغاء نص تشريعي الا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الالغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعد ذلك التشريع)
ثانياً: ان القانون الخاص لا يقيد القانون العام كاملاً أو بمجمله، بل يقيده في النصوص المتعارضة فقط والتي لا يمكن الجمع بينها أو التوفيق فيما بينها، بمعني أنه في حالة تعارض نص في قانون خاص مع نص آخر في قانون عام فان النص في القانون الخاص هو الأولى بالتطبيق ويعمل به ولا يعمل بالنص الوارد في القانون العام، وقد أكدت محكمة التمييز في العديد من قراراتها هذه المسألة بشكل واضح فقد جاء في أحد قراراتها: (ان تطبيق محكمة الموضوع لنص المادة (444) من القانون المدني لا يتعارض مع نص المادتين (125 و 126) من قانون أصول المحاكمة المدنية ولا مجال هنا لتطبيق قاعدة الخاص يقيد العام) – تمييز حقوق رقم 3469 لسنة 2012 تاريخ 8/11/2012
وفي قرار آخر قررت أيضاً ( واذا كانت القاعدة ان القانون الخاص يقيد العام فان ما جاء في قانون نقابة المحاميين حول الانابة والوكالة لا يتعارض مع ما جاء به القانون المدني حتى يؤخذ بهذه القاعدة…) – تمييز حقوق 5632 لسنة 2018 تاريخ 17/10/2018
وقررت محكمة التمييز في قرار اخر (أما فيما يتعلق بنص المادة (1033/2)) من القانون المدني فهي تتعارض مع المادة الثانية من قانون المالكين والمستأجرين والآخر هو قانون خاص وهو يقيد العام وأحكامه أولى بالتطبيق عند التعارض مع تشريع عام…) – تمييز حقوق 3022 لسنة 2012 تاريخ 12/12/2012
ثالثاً: ان القراءة المتفحصة لنص المادة (11) من قانون الجرائم الالكترونية يستدل منها ان المشرع لم يتجه أبداً لتغيير النظام القانوني لجرائم الذم والقدح والتحقير إلا من ناحيتين فقط هما:
أ. ماهية العقوبة والتي جعلها الحبس لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن (100) دينار ولا تزيد عن (2000) دينار
ب. الوسيلة الجرمية، بإضافة وسيلة جديدة تتمثل بالقيام قصداً بإرسال أو اعادة ارسال أو نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتية تنطوي على الذم والقدح والتحقير.
بل إن مقصد المشرّع في كل نصوص قانون الجرائم الالكترونية هو تجريم أفعال أو وسائل الكترونية وبيان عقوباتها ولم يتطرق القانون لأي أحكام تنظيمية أو اجرائية من اختصاص قانون آخر باستثناء ما جاء في المادة (17) من القانون حول اقامة دعوى الحق العام والحق الشخصي على المشتكى عليه أمام المحاكم الاردنية اذا ارتكبت الجريمة بالشبكة المعلوماتية الوطنية أو ألحقت ضرر بمصالح الدولة أو المقيمين فيها أو ترتيب آثار الجريمة فيما لو كان مرتكب الجريمة مقيماً فيها.
رابعاً: إن نص المادة (11) من قانون الجرائم الالكترونية لا يتعارض اطلاقاً لا بشكل مباشراً أو غير مباشر مع أحكام قانون العقوبات المتعلقة باشتراط الشكوى والادعاء بالحق الشخصي لرؤية دعوى الذم والقدح والتحقير ولا بالأحكام المتعلقة بالإسقاط والتقادم في قضايا الجنح، بل إن الأخذ بهذه الأحكام ينسجم مع حكمة التشريع الجزائي ومقاصده.
خامساً: إن الهدف من اصدار قانون الجرائم الالكترونية والاسباب الموجبة لتشريعه والمعلن عنها رسمياً لم يكن يقصد منها احداث نظام تشريعي جزائي بديل عن النظام التشريعي الجزائي المعمول به، بل كان يقصد منها مواكبة التطور التكنولوجي والمعلوماتي الذي يستغل لارتكاب جرائم بوسائل تكنولوجية حديثة عبر الشبكة المعلوماتية ومعالجة النواقص التشريعية في التصدي للجرائم التقليدية التي أصبحت ترتكب بوسائل تستخدم الشبكة المعلوماتية حيث جاء في البند (2) من الأسباب الموجبة للقانون ما يلي: (معالجة الثغرات والنقص التشريعي في التصدي للجرائم التقليدية التي ترتكب باستخدام نظام المعلومات أو الشبكة المعلوماتية، ومن الامثلة على تلك الجرائم الاستعانة بالشبكة المعلوماتية أو أي نظام معلومات للتهديد أو الذم والقدح وغيرها).
وبناءاً على ما تقدم فإننا نرى نص المادة (11) من قانون الجرائم الالكترونية فيما يتعلق بجرائم الذم والقدح والتحقير المرتكبة باستخدام الشبكة المعلوماتية لا يتعارض اطلاقاً مع القواعد العامة أو أحكام قانون العقوبات الا فيما يتعلق بتشديد قانون الجرائم الالكترونية للعقوبة والوسيلة المستخدمة لارتكاب هذه الجرائم ولا مجال لتطبيق قاعدة القانون الخاص يقيد العام إلا في هاتين المسألتين وحسب.
مركز احقاق للمحاماة والدراسات القانونية
المحامي محمد أحمد المجالي