بقلم: المحامي عبدالكريم الحرحشي
تقضي الفقرتين (1 و 2) من المادة (191) من قانون أصول المحاكمات المدنية وبعد تعديلات عديدة بأن الأحكام الصادرة من محاكم الأستئناف وتزيد قيمتها على عشرين ألف دينار تقبل الطعن تمييزاً خلال ثلاثين يومياً من اليوم التالي لصدورها إن كانت وجاهية أو وجاهية اعتبارية، أو من اليوم التالي لتاريخ تبليغها، أما الأحكام التي قيمتها عشرين ألف دينار أو اقل فلا تقبل التمييز إلا بأذن من رئيس محكمة التمييز او من يفوضه.
وقد عدل هذا الأمر عدة مرات من ناحيهة القيمه فقط، حيث كان خمسة الآف دينار ثم عشرة الآف دينار وفي التعديل الأخير في 2024 أصبح المبلغ عشرين ألف دينار .
إن إذن التمييز استحدثه المشرع لغايات ادارية، ولتخفيف الضغط على المحكمة العليا الجليلة محكمة التمييز الموقرة، والأكتفاء بنظر الدعاوي التي قيمتها عشرين ألف دينار أو اقل من قبل محكمة الدرجه الأولى صلحاً أو بدايه ثم من المحكمة الأستنئافيه، سواء محكمة البدايه بصفتها الاستئنافيه أو محكمة الاستئناف.
ولا شك أن اقتراح التشريع او اعداده ومروره بالمراحل الدستوريه حتى اقراره والمصادقه عليه ونفاذه يعرض على جهات عديده ويتم مشاورة اكثر من جهه، وهو نتاج توجيهات عديده من السلطات الثلاثه وليس حصراً السلطه التشريعيه.
وإن المطاعن والاعتراضات والمآخذ على أذون التمييز كثيرة، منها وعلى سبيل المثال وليس الحر:
- ان النص على اذن التمييز نص مجافي للعدالة، حيث ان الكثير من القرارات الأستئنافيه تصبح قطعيه بسبب عدم الطعن بها تمييزاً رغم ما يعتورها من اخطاء و \ أو مخالفات قانونية، ولا ادل على ذلك من ان الاحكام الاستئنافيه التي تعرض على محكمة التمييز الموقره يتم نقض الكثير منها، بل إن الدعوى الواحدة تعرض أكثر من مرة على محكمة التمييز ويتم نقض الحكم اكثر من مرة حتى يستقر الحكم محققاً للعدالة وموافقاً للقانون.
- لا شك ان اطراف الدعاوي التي لم تميز بسبب عدم الحصول على إذن تمييز أو رفض منح إذن التمييز لا شك أن هؤلاء الاطراف ينالهم الأجحاف والشعور بالظلم ولا يجدون مبرراً لهذا العائق امام العدالة.
- إن إذن التمييز يفصل فيه من قبل أحد السادة القضاة، بالرفض أو القبول، ودون تعليل أو تسبيب أو أسانيد قانونيه، بخلاف ما هو مستوجب في كل حكم قضائي.
- إن قيمه الدعوى ليست هي المؤشر الوحيد على اهميتها، فأهميه الدعوى تحدد بتأثيرها على اطرافها وقيمتها حسب احوالهم وعلاقاتهم فقد تكون قيمة الدعوى مئة الف وتفوقها بالأهميه دعوى قيمتها بضعة الآف، ومن تلك الدعاوى الدعاوى غير مقدرة القيمة والتي كان اغلبها يصدر القرار برفض منح الاذن لتمييزها. ((تم الرجوع عن ذلك بقرار هيئة عامه رقم 52\2023 تاريخ 12\9\2023)).
- إن البت بإذن التمييز رفضاً او منحاً يصدر عن درجه واحده، وهو مرحلة قضائية هامة ولا يجوز ان تكون دون طعن ودون معقب ودون اي مراجعه.
- إن عدم تمييز الكثير الكثير من الدعاوى بسبب ((إذن التمييز)) قد اضاع الكثير من الفرص للنظر في أمور وخلافات وعلاقات يؤدي الفصل بها تمييزاً الى اثراء وتوسيع وتنوع الأوضاع القانونية والقضائية ويرفع من مستوى المحامين والقضاه والباحثين.
- إن عدم تمييز الآف الدعاوى حرم خزينه الدولة من مبالغ كبيره كرسوم.
- إن العدالة وتحقيق العدالة لطالبها أهم وأولى من أية اعتبارات اخرى.
- يصعب تبرير وجود اذن التمييز. ويصعب الدفاع عن هذا الشرط ممن يعتقد صحته او لزومه.
- يمكن تلافي وتدارك هذا الوضع من المشرع بإلغاء النص على اذن التمييز سواء في قانون اصول المحاكمات المدنيه او غيره كقانون ضريبة الدخل والمبيعات او الجمارك، كما يمكن التوجيه من قبل عطوفة رئيس محكمة التمييز الموقره بمنح الأذن أو بالتوسع بذلك تحقيقاً للعداله وتوخياً للمصلحه العامه وتلافياً للأضرار الناتجه عن ((عدم منح اذن التمييز)) لحين حصول حل تشريعي.
وبالنظر الى الواقع العملي والتطبيق الفعلي لفكرة أذون التمييز فإننا نجد ان لهذه الفكرة والنص الذي جاء بها من السلبيات اكثر من الفوائد والايجابيات، فالاصل ان القرار القضائي القطعي هو عنوان الحقيقة ويجب ان يكون – صحيحاً- محققاً للعدالة ولكن بتدقيق ما هو حاصل نجد ان هناك قرارات استئنافيه كثيره تصدر اما خطأ، واما ناقصة، واما مخالفة للقانون.. فكيف يكون الحال اذا لم يكن هناك مرحلة او وسيلة للطعن بها والعمل على تصحيحها وتداركها، ولا ادل على ذلك أن هناك قرارات تصدر عن محاكم الاستئناف تكون خطأ او مخالفة للقانون او ناقصة او غير واضحة… الخ لا ادل على ذلك من صدور قرارات من محكمة التمييز الجليلة بنقض القرارات الاستئنافيه او تعديلها او الحكم بها على نحو مغاير لما حكمت به محكمة الاستئناف.
إن من الممكن والمعقول ان تصدر احكام استئنافيه متناقضة سواء من هيئتين في نفس المحكمة الاستئنافيه\ عمان مثلا او من محكمة استئناف عمان أواربد اومعان مثلا، فالخطأ والتقصير طبيعة البشر، والكمال لله وحده جل جلاله.
إن محكمة التمييز الموقره صدر ويصدر عنها احكام يظهر فيما بعد انها خطأ، ولا توافق صحيح القانون ويصدر حكم جديد في نفس الدعوى، أو في دعوى مشابهه يخالف او يعدل او يلغي حكماً تمييزاً سابقاً وقد يصدر الحكم التمييزي الاخير من نفس الهيئة رجوعاً عن قرار سابق لها او لهيئة اخرى، او من الهيئة العامة لمحكمة التمييز، وهذا مقتضاه الحفاظ على تعدد درجات التقاضي.. فإذا صدر حكم استئنافي خطأ او ناقص او غير واضح او غير صالح للتنفيذ او به اشكال تنفيذي او كان مجافيا للواقع او العدالة واصبح قطعياً، بسبب عدم تمييزه لعدم منح الأذن لتمييزه فإننا نكون امام حالة لا يقبل بها احد.
إن اذون التمييز كمرحلة غير لازمة، وهي مضرة بالعدالة، ومبررات وجود اذن التمييز يمكن حلها وتلافيها ومواجهتها بحلول اخرى مثل زيادة عدد القضاة و\او زيادة الحوافز او غير ذلك مما يمكن دراسته والبحث فيه والوصول اليه.
إن واقع النظر والفصل في طلبات اذن التمييز تدفع نحو الغاء هذه الفكرة.. فالطلب يقدم وينظر به قاضي من كبار القضاه، مناباً من رئيس محكمة التمييز وعلى درجة واحده ومن شخص واحد. ولا مطعن عليه مما يعني انه قطعي ولو كان خطأ ولو كان لا يحقق العدالة.
وقد يصدر منح اذن تمييز في دعوى ويصدر رفض منح اذن تمييز في دعوى اخرى مشابهه لها تماما…؟! فالامر اجتهاد – اجتهاد قاض فرد يحتمل الخطأ والصواب، ولا ضير في ذلك، فإذا كانت قرارات تصدر عن هيئات استئنافيه، وهيئات تمييزية من عدة قضاه من كبار القضاه واكثرهم علماً ودرايه وخبرة يحصل فيها خطأ او لبس او غموض واعادة ورجوع فلماذا يعتبر قرار اذن التمييز قطعياً رغم خطورته واهميته.
إن رفع المبلغ الى عشرين الف دينار يعني مزيد من الضرر والبعد عن الغاية التي يبتغيها المشرع من اي قانون وهي العداله والحق.
إن الاصل والمرجو هو الفصل بين السلطات ولكن يحصل ان سلطة تجامل اخرى او تقوم ببعض اعمالها فالتشريع له قنواته، واصوله وسلطته، والقضاء له ميدانه وواجباته… وما يحصل في بلادنا من قيام مؤسسة او دائرة او وزارة بإعداد مشروع قانون لها ثم تمريره عبر الطرق التشريعيه هل هو صحيح، الا ينال ذلك من القاعدة العامة ((إن القانون قاعدة مجرده)) الا يعني اعداد مؤسسة او وزارة لقانونها انه لم يعد قاعدة مجرده وانما صيغ واعد لزمان معين واشخاص معينين، وقد مر سنوات على العمل بهذا النص، ومن خلال العمل والتطبيق ظهرت ملاحظات قائمة اصلا عليه من ناحية نظرية.
إن الاصل في التقاضي أن يكون على ثلاث درجات لضمان الوصول الى احكام سليمة صحيحة دون استعجال ودون اخطاء، ومع الاشارة الى انه مع درجات التقاضي الثلاثة يحصل اخطاء وهنات.
إن الاصل أيضا أن جميع القضايا يجب ان يتاح لاطرافها عرضها على درجات التقاضي الثلاثة، والتعديلات والاستثناءات في قانون اصول المحاكمات المدنيه وفي القوانين الخاصة على مبدأ درجات التقاضي تم بمبررات منها ضغط العمل وقلة الهيئات القضائية والحاجة الى التخفيف عنها، ولا شك ان هذه المبررات وغيرها ليست مقنعة… وهذه التبريرات يمكن مواجهتها حلها بأمور اخرى كإجراء تعينات لسد الحاجة واجراءات اخرى كثيرة… ولكن ليس على حساب ((العدالة)).
ومن المفارقات ان النص مدار البحث -المادة (191) يتطلب ان يكون طلب الاذن مفصلاً .. وإلا يتم رده- مع ان الحكم الذي يصدر في هذا الطلب – بالرفض او القبول – غير مفصل البتًه.
وتحقيقاً للعدالة، وحرصاً على مصلحة المواطن – العادي – الذي لا تتجاوز دعاويه وحقوقه بضعة آلاف من الدنانير، ونادراً ما تصل الى عشرة آلاف ناهيك عن عشرين الفاً وحفاظا على سمعة القضاء، وهيبته، وصحة قراراته وان تبقى عنوانا للحقيقة نأمل إلغاء النص على أي إذن لأي طعن بأي حكم وخاصة اذون التمييز، ولحين ذلك منح الأذن لمن يطلبه ولا ضير في ذلك مطلقاً.
المحامي عبدالكريم الحرحشي