بقلم: المحامي يحيى أبو عبود
ليس دفاعا عن نقابة المعلمين أو النقابات المهنية فحسب ، بل دفاعا عن الوطن ومؤسساته الدستورية…
حل النقابات في ظل دولة القانون غير متصور قانونا لا بقرار قضائي ولا بقرار إداري .
أما في ظل سياسة سحق المؤسسات الدستورية واقحامها في مسلسل الردة على دستور 1952.وتحطيم العقد الاجتماعي الذي قامت عليه الدولة الأردنية فإن كل شيء ممكن ومتوقع الحدوث .
لكن من الذي يضمن العواقب؟
سؤال ليس مهما أن تجد له إجابة , لان الميعاد قد يكون قد فات .
ولن تسعفنا كل حسابات المهل والمواعيد في استدراك العاقبة .
قصتنا تبدأ من تخلي السلطة التنفيذية عن المواجهة المباشرة مع المعلمين بعد خسارتها لكافة نقاط الاشتباك معها في عام 2019 لسبب لم تدركه السلطة التنفيذية حتى الآن،
وهو انحياز الشعب إلى جانب مطالب المعلمين المحقة في إصلاح الشأن النقابي والعدالة والمساواة ومكافحة الفساد الذي ينخر في مقدرات الأمة .
كما ان الرواية الرسمية باتت في حكم النكتة الشعبية في قصة راعي الأغنام وسخريته من أهل القرية في مواجهة الذئب .
أما السلطة التشريعية في ذلك الوقت فهي لم تكن قادرة على القيام الا بدور الوسيط المتفرج بين الحكومة والنقابة .
وفي مطلع هذا العام وفي خضم تطبيق قانون الدفاع فقد توارت السلطة التنفيذية خلف الكواليس وجرت المواجهة بينها وبين نقابة المعلمين في ساحات القضاء .
وأصبحت نقاط الاشتباك بين السلطة التنفيذية وبين نقابة المعلمين تحت قوس القضاء الجزائي والمدني والإداري والدستوري .
حيت أن هناك ثلاث قضايا جزائية ،
الأولى حول ما يسمى بالاعلان عن خطة استعادة العلاوة .
والثانية عن التدخل بنشر اخبار من شأنها إثارة النعرات،
والثالثة إساءة استخدام السلطة وكل فعل أو امتناع يؤدي إلى هدر الأموال العامة .
وفي الجانب الحقوقي دعىوى حل مجلس النقابة حول قضية التبرع لصندوق همة وطن في مواجهة جائحة كورونا ،والذي رافقه الطعن بعدم دستورية النقابة .
كما ترافق ذلك بجملة الاحالات على التقاعد المبكر والاستيداع للعديد من القيادات النقابية ، وما تبع ذلك من طعون أمام المحاكم الإدارية .
بالإضافة إلى الطعن بقرار وزير التربية بتشكيل لجنة مؤقتة لإدارة النقابة والموقوفة اصلا بقرار المدعي العام!!
اليوم طهر حل النقابة كعقوبة على مسرح الأحداث .
حيث نصت المادة 37عقوبات على وقف الهيئة معنوية عن العمل او حلها.
(يمكن حل الهيئات المذكورة في الحالات التي أشارت اليها المادة السابقة : أ – اذا لم تتقيد بموجبات التأسيس القانونية . ب – اذا كانت الغاية من تأسيسها مخالفة للقوانين أو كانت تستهدف في الواقع مثل هذه الغايات . ج – اذا خالفت الأحكام القانونية المنصوص عليها تحت طائلة الحل . د – اذا كانت قد وقفت بموجب قرار مبرم لم تمر عليه خمس سنوات . )
هذا النص الذي كان سلفه نص المادة
م 29 عقوبات من قانون 1951الملغي التي تنص (التدابير الاحترازية بصورة عامة
التدابير الاحترازية العينية هي :
1. المصادرة العينية .
2. الكفالة الاحتياطية .
3. اقفال المحل .
4. وقف هيئة معنوية عن العمل او حلها . )
ومع أن نص قانون 1951 تم الحديث عن كل الفقرات الا الوقف والحل دون تفصيل عن أحكامه .
ومع أن نص المادة 37 من قانون العقوبات لسنة 1960 الساري قد تضمن النص على حل الهيئة المعنوية وأشار إلى مصطلح النقابات .
الا أن هذا النص لم يتم استخدامه طوال ستين عاما بحق النقابات والأحزاب والشركات والجمعيات في خضم احداث ومحطات مصيرية في تاريخ الدولة الأردنية .
اما عن هذه الهيئات المعنوية فقد وردت في متن المادة 36 عقوبات (يمكن وقف كل نقابة وكل شركة أو جمعية وكل هيئة اعتبارية ما خلا الادارات العامة اذا اقترف مديروها أو أعضاء إدارتها أو ممثلوها أو عمالها بأسمها أو بأحدى وسائلها جناية أو جنحة مقصودة يعاقب عليها بسنتي حبس على الأقل ).
وابتداء فأن مصطلح النقابات الوارد في المادة 36 هو بالقطع ليس النقابات التي تم إنشاؤها بقانون كنقابة المعلمين ، وانما قد يصدق حكم هذا النص من حيث الخطاب على النقابات التي يتم إنشاؤها من قبل هيئة تأسيسية وتأخذ موافقة بالترخيص بمزاولة أعمالها بقرار إداري. كالعديد من النقابات التجارية والصناعية التي لم تنشأ بقانون بل تم إنشاؤها بقرار إداري وهي تتشابه في حكم الأندية والجمعيات والدواوين العائلية.
وبذلك تخرج النقابات المهنية التي أنشأت بقانون من مقتضيات المادة 37 عقوبات وعلى رأسها الوقف والحل ، ذلك أن قوانين تلك النقابات قد بينت بدء ظهور الشخصية الاعتبارية لها وكيفية إدارتها لأعمالها ولم تتطرق هذه القوانين لمسألة انتهاء الشخصية الاعتبارية للنقابات ومنها نقابة المعلمين ،لان إنهاء الشخصية الاعتبارية للنقابة غير متصور لا بالحل ولا بالتصفية لسبب وجيه وهو
أن هذه النقابات تستند في وجودها إلى الدستور الذي أعطى الحق للأردنيين في تشكيل النقابات وهو حق مطلق من حيث تشكيل النقابات ،وقيده بأن جعل القانون ينظم عمل النقابات وليس انتهاء أو إنهاء وجود النقابات ، وخاصة في المادة 16 من الدستور التي تنص :-
( 1. للاردنيين حق الاجتماع ضمن حدود القانون.
2. للاردنيين حق تأليف الجمعيات والنقابات والاحزاب السياسية على ان تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف احكام الدستور.
3. ينظم القانون طريقة تأليف الجمعيات والنقابات والاحزاب السياسية ومراقبة مواردها ).
وبالتالي فإن نصوص القانون يجب أن تنسجم مع النص الدستوري الوارد في المادة 16من الدستور التي بينت أن دور القانون الذي يحكم عمل النقابات سواء قانون إنشائها أو اي نص آخر هو تنظيمي لطريقة عمل النقابات وليس إنهاء وجودها .
وهذا الفهم تؤازره مناسبتين تم فيهما التطرق للنصوص الدستورية تفسيرا و تاويلا من حيث انشاء واستمرار نقابة المعلمين بشكل خاص والنقابات الأخرى بشكل عام ،حيث جاء في القرار التفسيري الصادر عن المحكمة الدستورية بالرقم 6 لسنة 2013 .
(( وتأسيسا على ما تقدم ، تقرر المحكمة الدستورية ” أنه يجوز للموظفين في أية وزارة أو دائرة أو هيئة أو مؤسسة حكومية أن ينشئوا نقابة خاصة لهم حتى وإن كانوا من الموظفين التابعين لنظام الخدمة المدنية ، وبغض النظر عما إذا كان لهم مثيل في القطاع الخاص خارج إطار الحكومة أم لا على أن يتم ذلك بموجب تشريع أو تشريعات تصدر لهذه الغاية وفقا لما تراه السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص الأصيل في التشريع .)).
وكذلك القرار الصادر عن المجلس العالي لتفسير الدستور رقم 1 لسنة 2011.الذي جاء
(( بالرجوع لاحكام المادة (23) من الدستور نجد انها تنص على ما يلي :
1) العمل حق لجميع المواطنين وعلى الدولة ان توفره للاردنيين بتوجيه الاقتصاد الوطني والنهوض به .
2) تحمي الدولة العمل وتضع له تشريعاً يقوم على المبادئ الاتية
و. تنظيم نقابي حر ضمن حدود القانون .
ومن تدقيق أحكام الفقرة (1) من المادة المذكورة يتبين أنها تضمنت المبادئ التالية :
أولا : ان العمل حق لجميع المواطنين .
ثانيا : ان على الدولة ان تعمل على توفير العمل للاردنيين .
ثالثا : ان الهدف من توفير العمل توجيه الاقتصاد الوطني والنهوض به .
اما استهلالية الفقرة (2) من المادة ذاتها فقد اوجبت على الدولة ان تحمي العمل ، وتضع له تشريعا يرسي عدة مبادئ منها ما ورد النص عليه في البند (و) من هذه الفقرة المتمثل بتنظيم نقابي حر ضمن حدود القانون .
ان من المسلمات المستقرة في الاصول الخاصة بعملية التفسير ما يلي :
1. توخي الجهة المكلفة بالتفسير الغاية والهدف اللذين تغياهما واضع النص .
2. الاحاطة بمعاني الكلمات التي تؤلف عبارات النص المطلوب تفسيره .
3. عدم جواز تفسير النص المراد تفسيره بمعزل عن باقي النصوص .
وفي السياق ذاته نجد ان المعنى اللغوي لكلمة (العمل) هو (المهنة ، والفعل) كما ان المهنة هي التي يحتاج صاحبها لخبرة ومهارة وحذق لممارستها ، وينبني على هذا ان كلمة العمل الواردة في المادة (23) من الدستور تشمل العمل الذي يمارسه جميع العاملين بمهنة التربية والتعليم بقطاعاتها المختلفة ، خاصة وان مهنة التعليم ورسالته رافد وشكل من روافد وأشكال العمل الذي يسهم في توجيه الاقتصاد الوطني والارتقاء به على غرار العمل الذي يمارسه الاطباء والمهندسون واطباء الاسنان والصيادلة والمهندسون الزراعيون ، من حيث اسهامه في بناء الاقتصاد الوطني ، ولكل من هؤلاء حاليا ، تنظيم نقابي ضمن حدود القانون ، مع الاشارة الى ان جواز اصدار قانون بانشاء نقابة للمعلمين ، لا يتعارض مع وجوب وحتمية بقائهم خاضعين للتشريعات النافذة ذات العلاقة.
اما ما ذهب اليه القرار التفسيري الصادر عن المجلس العالي لتفسير الدستور رقم (1) لسنة 1994 ، فقد انحصر ذلك التفسير بالحكم المستفاد من المادة (120) من الدستور ، بينما استند تفسيرنا الحالي لحكم المادة (23) من الدستور .
وتأسيسا على ما بيناه ، فان احكام المادة (23) من الدستور تجيز تشكيل نقابة للمعلمين العاملين بمهنة التعليم بقطاعاتها المختلفة على غرار نقابات الاطباء والمهندسين واطباء الاسنان والصيادلة والمهندسين الزراعيين وغيرها من النقابات .)).
والقول بغير ذلك . اي ان نص المادة 36 و 37 عقوبات ينطبق على النقابات المنشأة بقرار إداري والمنشاء بقانون كنقابة المعلمين مثلا ، يؤدي إلى حتمية مفادها أن نص المادة 36 و37 عقوبات التي أعطت للمحكمة حل النقابات هو نص غير دستوري وان الطعن بعدم دستوريته واجب سيتم ممارسته في كل القضايا المثارة .
هذا من حيث مدلول الخطاب .
أما من حيث مضمون الخطاب .
فان نص المادة : م 74 من قانون العقوبات 1960 يقيد نص المادة 37 عقوبات حيث نصت المادة 74 عقوبات
(( الأشخاص المسؤولين.
– لا يحكم على احد بعقوبة ما لم يكن قد اقدم على الفعل عن وعي وارادة .
2- يعتبر الشخص المعنوي باستثناء الدائرة الحكومية أو المؤسسة الرسمية أو العامة مسؤولاً جزائياً عن اعمال رئيسه أو أي من أعضاء إدارته أو مديريه أو أي من ممثليه أو عماله عندما يأتون هذه الأعمال باسمه أو بإحدى وسائله بصفته شخصاً معنوياً.
3- لا يحكم على الأشخاص المعنويين إلا بالغرامة والمصادرة وإذا كان القانون ينص على عقوبة أصلية غير الغرامة استعيض بالغرامة عن العقوبة المذكورة وأنزلت بالأشخاص المعنويين في الحدود المعينة في المواد من (22) إلى (24) من هذا القانون .
ومن ناحية ثالثة، وهي معالجة نص المادة 36 و 37 عقوبات من حيث الشروط والأحكام .
فإن شروط تطبيق حكم الحل الوارد في المادة 37 عقوبات من الصعب توافرها .
فقد وردت الشروط التي تجيز الحل وهي .
(يمكن حل الهيئات المذكورة في الحالات التي أشارت اليها المادة السابقة : أ – اذا لم تتقيد بموجبات التأسيس القانونية . ب – اذا كانت الغاية من تأسيسها مخالفة للقوانين أو كانت تستهدف في الواقع مثل هذه الغايات . ج – اذا خالفت الأحكام القانونية المنصوص عليها تحت طائلة الحل . د – اذا كانت قد وقفت بموجب قرار مبرم لم تمر عليه خمس سنوات . ).
ومن استعراض هذا النص فإن لفظ حالات يعود على المادة التي قبلها ، من حيث الشروط المطلوبة في المادة 36 بحيث جعلها شروطا لتطبيق نص المادة 37 .
اي ان شروط الحل في المادة 37 يضاف إليها شروط الوقف في المادة 36 وهي :-
اذا اقترف مديروها أو أعضاء إدارتها أو ممثلوها أو عمالها بأسمها أو بأحدى وسائلها جناية أو جنحة مقصودة يعاقب عليها بسنتي حبس على الأقل.
وبالرجوع إلى نص المادة 37 عقوبات إنه لم يأت بالحالات على سبيل المثال والتخيير، بل جاء النص بشروط على سبيل الحصر و الاجتماع .
حيث أن تفسير النصوص العقابية يأتي من حيث الوجوب في صالح المتهم .
ولعدم استخدام حرف أو للتخيير فإن اجتماع الشروط هو الذي يمكن فيه تطبيق حل الهيئة المعنوية .
وبالفرض الجدلي بأنها حالات وليس شروط .
فانها غير متوافرة في نقابة المعلمين .
ذلك أن استقراء هذه الحالات ( ونحن نرى بأنها شروط مجتمعه) يتعلق بالنظام الأساسي أو القانون المؤسس والمنظم لعملها ، ولم تتطرق هذه النصوص للنشاط الذي تم تشكيل القضايا الجزائية بناء عليه وخاصة ما يسمى لإعلان خطة استرداد العلاوة .
أن الوقوف في جانب المشروعية ومبدأ الفصل بين السلطات والتمسك بالمنجزات النقابية يحتم علينا أن نقف جميعا في جانب نقابة المعلمين الكيان والتاريخ والإنسان . فاليوم نقابة المعلمين وغدا لا احد يدري من هي المحطة التالية .
لا غالب الا الله .