أولاً: تنص المادة (175) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 9 لسنة 1961وتعديلاته على ما يلي:
1. بعد سماع بينة النيابة يجوز للمحكمة ان تقرر عدم وجود قضية ضد الظنين وان تصدر قرارها الفاصل فيها وإلا سألت الظنين عما اذا كان يرغب في اعطاء افادة دفاعا عن نفسه فاذا اعطى مثل هذه الافادة جاز لممثل النيابة العامة مناقشته.
2. بعد أن يعطى الظنين إفادة تسأله المحكمة اذا كان لديه شهود أو بينة أخرى يعزز فيها دفاعه فاذا ذكر أن لديه شهودا أو بينة أخرى وجب عليه، وتحت طائلة اعتباره عاجزا عن تقديم البينة، تقديم قائمة ببيناته خلال أسبوعين من تاريخ إعطاء تلك الإفادة بما في ذلك أسماء شهوده مع بيان محال إقامتهم، وتقرر المحكمة دعوتهم والاستماع إلى شهاداتهم، إلا إذا رأت أن لا علاقة لهم بالدعوى وأنها ستؤدي إلى إعاقة سير العدالة أو تأخير غير مبرر للفصل في الدعوى.
ثانياً: في القضية رقم (2085/2020) صلح جزاء عمان أجرت المحكمة محاكمة المشتكى عليه (مالك المشاقبة) وجاهياً في جلسة واحدة فقط بتاريخ (4/2/2020)، ودون سماع بينات النيابة ودون إفهام المشتكى عليه منطوق المادة (175) وحكمت المحكمة على المشتكى عليه في ذات الجلسة بما يلي:
1. إدانته بجرم اطالة اللسان على مقام حضرة صاحب الجلالة الملك خلافاً لأحكام المادة (195/1/أ) من قانون العقوبات والحكم عليه عملا بذات المادة بالحبس سنة واحدة والرسوم ، محسوبة له مدة التوقيف.
2. إدانته بجرم اطالة اللسان على مقام جلالة الملكة خلافاً لأحكام المادة (195/2) من قانون العقوبات والحكم عليه عملا بذات المادة بالحبس سنة واحدة والرسوم.
3. إدانته بجرم ذم هيئة رسمية خلافا لأحكام المادة (191) من قانون العقوبات والحكم عليه عملا بذات المادة بالحبس ثلاثة أشهر والرسوم.
4. وعملا بأحكام المادة (72) من قانون العقوبات تنفيذ العقوبة الجنحوية الاشد بحق المشتكى عليه لتصبح العقوبة المحكوم بها على المشتكى عليه هي الحبس سنة واحدة والرسوم، محسوبة له مدة التوقيف.
ثالثاً: طعن المشتكى عليه في حكم محكمة صلح جزاء عمان لدى محكمة بداية عمان بصفتها الاستئنافية بتاريخ (11/2/2020) وكان أحد أسباب الاستئناف كما جاء في لائحة الاستئناف (اغفلت المحكمة بعدم افهام المستأنف منطوق المادة 175 من الاصول المدنية سيما وان هذا حق مقدس)، فقررت المحكمة الاستئنافية في القضية رقم (803/2020)، أي في اليوم التالي (12/2/2020) رد الاستئناف موضوعاً وتأييد قرار محكمة صلح جزاء عمان، وبذلك أصبح الحكم قطعياً، وقد جاء في قرارها ما يلي:
((وللرد على أسباب الاستئناف مجتمعة والتي مفادها تخطئة محكمة الدرجة الأولى بمحاكمة المستأنف دون السماح له بتقديم بيناته ودفوعه التي تثبت براءته.
وبالرجوع إلى ملف الدعوى نجد أن المشتكى عليه (المستأنف) مثل أمام محكمة الدرجة الأولى في جلسة (4/2/2020) وسئل عن الجرم المسند إليه حيث ذكر ما نصه: (…ويوجد لي حساب على الفيس بوك باسم ( مالك محمد العمر) باللغة العربية وهو مستخدم على هاتف رقم (##) ، وإن المنشورات وهي المرفقات بالمبرز ن/1 أنا من قمت بكتابتها على حسابي على الفيس بوك وإن المرفقات 5 و 6 أنا من قمت بعمل مشاركة لها…)، الأمر الذي تجده محكمتنا يشكل اعترافا صريحاً وواضحاً ونابعاً عن إرادة حرة ومتفقاً مع وقائع الدعوى ويصلح بعد ذلك اعتباره دليلاً من الأدلة الجزائية المعتبرة الصالحة لبناء الأحكام الجزائية عليها وفقاً لنص المادة 147 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وانه لا داع في مثل هذه الحالة الى افهام المشتكى عليه منطوق نص المادة (175) من قانون اصول المحاكمات الجزائية لتقديم افادته وبينته الدفاعية وبالتالي فان ما ورد بسببي الاستئناف لا يردان على القرار المستأنف.
لطفا انظر قرار محكمة التمييز الاردنية بصفتها الجزائية رقم 54/1996تاريخ 31/1/1996
وقرار محكمة التمييز الاردنية بصفتها الجزائية رقم 1219/2018تاريخ 18/4/2018
مما يجعل من أسباب الاستئناف والتي يدعي فيها المستأنِف بأنه لديه بينات ودفوع يرغب بتقديمها يتعارض مع اعترافه وأن أمر إدانته بالاستناد لهذا الاعتراف هو أمر متفق وأحكام المادة 172/2 من ذات القانون.
ولما كانت محكمة الدرجة الأولى قد استندت في قرارها إلى أقوال المستأنِف وبينات النيابة، وتوصلت من خلال هذه البينات إلى إدانة المستأنِف بما أسند إليه من افعال اوردتها بشكل مفصل بقرارها محل الطعن فإن قرارها والحال كذلك يكون واقعاً في محله لاستناده على بينات لها أصل ثابت في ملف الدعوى وجاء مستوفياً لشرائطه القانونية المنصوص عليها بالمادة 182 من قانون اصول المحاكمات الجزائية ، مما يجعل من أسباب الاستئناف لا ترد على القرار المستأنف ولا تنال منه ويقتضي ردها.
وعليه وسنداً لما تقدم: وحيث أن أسباب الاستئناف لا ترد على القرار المستأنَف لذا نقرر وعملاً بأحكام المادة 16 من قانون محاكم الصلح رقم 23 لسنة 2017 رد الاستئناف موضوعاً وتأييد الحكم المستأنَف))
وجدير بالذكر أنه جاء في متن قراري محكمة التمييز الذين استشهدت فيهما محكمة بداية جزاء عمان بصفتها الاستئنافية ما يلي:
1. قرار رقم 1219 لسنة 2018 الصادر بتاريخ (18/4/2018) عن محكمة التمييز بصفتها الجزائية، وقد جاء في متنه:
((وعن سببي الطعن : نجد أن المشتكى عليه لدى مثوله أمام محكمة صلح جزاء جرش وبحضور وكيله في جلسة 2/5/2017 ولدى سؤاله عن الجرم المسند إليه أجاب بأن الشيكين المعروضين عليه من قبل المحكمة هو من قام بكتابتهما بخط يده والتوقيع الوارد عليهما يعود إليه واستناداً على ذلك قررت محكمة صلح جزاء شرق عمان الأخذ بهذا الاعتراف والاكتفاء به وأصدرت حكمها المطعون فيه لدى محكمة بداية جزاء شرق عمان بصفتها الاستئنافية وهي في هذا الحال لم تفهم المشتكى عليه نص المادة ( 175 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية كون ذلك لا يتم إلا إذا كان المشتكى عليه قد أنكر التهمة المسندة إليه.
وعليه فإن قرار محكمة بداية شرق عمان بصفتها الاستئنافية القاضي بتأييد قرار محكمة الصلح واقع في محله ومعلل ومسبب بشكل قانوني سليم فليس فيه أية مخالفة للقانون الأمر الذي يجعل سبب الطعن غير وارداً عليه ويتعين رده.
لذا نقرر رد الطعن التمييزي وإعادة الأوراق إلى مصدرها))
2. قرار رقم 54 لسنة 1996 الصادر بتاريخ (31/1/1996) عن محكمة التمييز بصفتها الجزائية، وقد جاء في متنه:
((وبعد التدقيق والمداولة وعن السببين الأول والثاني من أسباب التمييز فإننا نجد أن إجراءات المحاكمة أمام محكمة أمن الدولة قد جاءت موافقة للأصول المنصوص عليها في الباب الرابع من قانون أصول المحاكمات الجزائية الباحثة في أصول المحاكمات لدى المحاكم البدائية في القضايا الجنحوية حيث تم استحضار المميز أمام تلك المحكمة وبوشر بإجراء المحاكمة علناً وبعد تلاوة قرار الظن اعترف المميز بالجرم المسند إليه بشكل مفصل وبالتالي لا مجال لإفهامه منطوق المادة 175 من قانون أصول المحاكمات الجزائية لتقديم افادته وشهود دفاعه طالما وأنه قد اعترف بما اسندته النيابة له مما يقضي رد ما جاء في هذين السببين))
رابعاً: قدم المحكوم عليه (مالك) طلباً لوزير العدل سنداً لأحكام المادة (291) من قانون أصول المحاكمات الجزائية من أجل نقض حكم محكمة بداية جزاء عمان بصفتها الاستئنافية وحكم محكمة صلح جزاء عمان، فقررت محكمة التمييز بصفتها الجزائية في حكمها في القضية رقم 1109 لسنة 2020 الصادر بتاريخ (17/3/2020) نقض القرار المطعون فيه الصادر عن محكمة بداية جزاء عمان بصفتها الاستئنافية رقم (803/2020) تاريخ 12/2/2020 وحيث إن النقض وقع لصالح المحكوم عليه فيكون له مفعول النقض العادي عملاً بأحكام المادة (291/4) من قانون أصول المحاكمات الجزائية وإعادة الأوراق إلى مصدرها وبالوقت نفسه الإفراج عن المستدعي ما لم يكن موقوفاً أو محكوماً لأي داعٍ آخر، وقد جاء في حكمها ما يلي:
((وفي الحالة المعروضة وبالنسبة للسببين الأول والثالث نجد أن محكمة الدرجة الأولى لم تستمع لبينة النيابة العامة مخالفة بذلك نص المادة 173 من قانون أصول المحاكمات الجزائية باضافة إلى أنها أصدرت قرارها رقم 2085/2020 تاريخ 4/2/2020 قبل افهام المشتكى عليه المستدعي مالك محمد المشاقبة نص المادة 175 من قانون أصول المحاكمات الجزائية فيما اذا كان لديه بينة دفاعية أو شهود دفاع وأن محكمة بداية عمان بصفتها الجزائية لم تلحظ ذلك فيكون قرار محكمة بداية جزاء عمان بصفتها الاستئنافية المطعون فيه سابقاً لأوانه ومخالفاً للقانون ومستوجب النقض لورود هذين السببين عليه.
لذلك نقرر ودون الحاجة للرد على باقي أسباب التمييز نقض القرار المطعون فيه الصادر عن محكمة بداية جزاء عمان بصفتها الاستئنافية رقم (803/2020) تاريخ 12/2/2020 وحيث إن النقض وقع لصالح المحكوم عليه فيكون له مفعول النقض العادي عملاً بأحكام المادة (291/4) من قانون أصول المحاكمات الجزائية وإعادة الأوراق إلى مصدرها وبالوقت نفسه الإفراج عن المستدعي ما لم يكن موقوفاً أو محكوماً لأي داعٍ آخر))
خامسا: وعليه نجد أنه أصبح هناك اجتهادين قضائيين متناقضان لمحكمة التمييز، أحدهما لا يوجب على المحكمة الجزائية إفهام المشتكى عليه منطوق المادة 175 من قانون أصول المحاكمات الجزائية لتقديم إفادة وبينات دفاعية في حالة الاعتراف، وأما الاجتهاد الآخر فإنه يوجب على المحكمة الجزائية إفهام المشتكى عليه منطوق المادة 175 من قانون أصول المحاكمات الجزائية لتقديم إفادة وبينات دفاعية في حالة الاعتراف، وإلا كان حكمها باطل وحقيق بالنقض، وبالتالي على أي اجتهاد ستسير محاكم الموضوع الجزائية؟؟
المحامي إسلام الحرحشي
مدير مركز إحقاق للدراسات القانونية