فصل النيابة العامة عن المجلس القضائي ضرورة للاصلاح القضائي في الأردن

مقترح لإصلاح هيكل القضاء النظامي في الأردن عبر الفصل الإداري والوظيفي بين القضاة والنيابة العامة

أولاً: الوضع القانوني الحالي للنيابة العامة وللمدعين العامين
تتبع النيابة العامة والمدعون العامون في القضاء النظامي في الأردن في الوقت الراهن للمجلس القضائي الأردني بموجب القانون، حيث تنص المادة (14) من (قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 17 لسنة 2001 وتعديلاته) على ما يلي:
أ. يُعيَّن لدى محكمة التمييز قاضٍ باسم رئيس النيابة العامة، ويتولى تمثيل النيابة أمام محكمة التمييز.
ب. 1. يُعيَّن لدى كل محكمة استئناف قاضٍ باسم النائب العام يمارس الصلاحيات المقررة له في قانون أصول المحاكمات الجزائية وسائر القوانين الأخرى.
2. يُعيَّن لدى كل من محكمة الاستئناف الضريبية ومحكمة الجمارك الاستئنافية قاضٍ باسم النائب العام يمارس الصلاحيات المقررة له في قانون أصول المحاكمات الجزائية وصلاحيات الوكيل العام في قانون إدارة قضايا الدولة وغيرهما من القوانين، ويتولى الطعن تمييزاً بالأحكام الصادرة عن تلك المحاكم.
ج. 1. يُعيَّن لدى كل محكمة بداية قاضٍ أو أكثر باسم المدعي العام.
2. يُعيَّن لدى كل من محكمة البداية الضريبية ومحكمة الجمارك البدائية قاضٍ أو أكثر باسم المدعي العام بالصلاحيات المقررة له في أصول المحاكمات الجزائية وصلاحيات الوكيل العام في إدارة قضايا الدولة وغيرهما من القوانين.
3. على الرغم من أي نص آخر، لا يتوقف على الطلب تحريك دعوى الحق العام في الجرائم المرتكبة خلافاً لقوانين ضريبة الدخل، والضريبة العامة على المبيعات، والجمارك، ومنطقة العقبة الاقتصادية الخاصة.
4. تُحال القضايا التحقيقية المنظورة لدى النيابة العامة الجمركية والضريبية قبل نفاذ القانون المُعدَّل إلى النيابة العامة المنشأة بمقتضاه.
د. يجوز تعيين مدعٍ عام لدى أي محكمة صلحية.
هـ. يكون لرئيس النيابة العامة وللنائب العام مساعدون يتمتعون بجميع الصلاحيات الممنوحة لهما.

تمثل هذه المادة محور النقاش القانوني والسياسي، إذ إنها تضع القاضي (الحَكَم) و المدعي العام (الخصم) تحت إدارة جهة واحدة هي المجلس القضائي، حيث إن المادة (6) من (قانون استقلال القضاء رقم 29 لسنة 2014 وتعديلاته) تقضي بأن يتولى المجلس القضائي جميع الشؤون المتعلقة بالقضاة النظاميين بما في ذلك النظر في شؤون القضاة وتعيينهم وترفيعهم وترقيتهم وتأديبهم ونقلهم وانتدابهم واعارتهم وانهاء خدمتهم.
________________________________________
ثانياً: مبررات الفصل الإداري والوظيفي
إن المدعي العام، بوصفه طرفًا خصمًا في الدعوى الجزائية، لا يجوز أن يكون خاضعًا إداريًا للجهة نفسها التي تشرف على القضاة الذين ينظرون في القضايا بناءً على ادعائه، ومن هنا جاء هذا المقترح الهادف إلى إعادة هيكلة السلطة القضائية بما يحقق الفصل الإداري والوظيفي بين الطرفين، مع الحفاظ الكامل على وحدة السلطة القضائية واستقلالها.
________________________________________
ثالثاً: الغاية من الإصلاح المقترح
يهدف المقترح إلى تحقيق ما يلي:
1. ضمان استقلال القضاء (الحَكَم) عن السلطة التنفيذية.
2. ضمان استقلال النيابة العامة (الخصم) عن السلطة التي تدير القضاة.
3. منع تضارب المصالح داخل المجلس القضائي، الذي يجمع حالياً صلاحيات الإشراف على القضاء والنيابة العامة معاً.
4. إيجاد هيكل يحقق التوازن بين مكونات العدالة ويعزز الثقة العامة.
________________________________________
رابعاً: المقترح لإعادة هيكلة القضاء النظامي
أ. هيكلة المجلس القضائي
يبقى المجلس القضائي هو السلطة العليا المشرفة على القضاء، مع إعادة تنظيم تركيبته على النحو التالي:
• يرأسه رئيس محكمة التمييز (كما هو معمول به حالياً).
• يضم قضاة من محكمة التمييز والمحكمة الادارية العليا ومحاكم الاستئناف.
• يضم رئيس النيابات العامة بصفة مراقب غير مصوّت.
• يضم ممثلًا عن نقابة المحامين لتعزيز التواصل مع المجتمع القانوني.
وتصبح اختصاصاته:
1. إدارة شؤون القضاة (تعيين، ترفيع، نقل، مساءلة، …إلخ).
2. إدارة السلطة القضائية من حيث الميزانية، المعهد القضائي، وتطوير التشريعات القضائية.
________________________________________
ب. إنشاء مجلس مستقل للنيابة العامة
يُنشأ بموجب قانون مجلس النيابة العامة، وهو هيئة مستقلة ضمن السلطة القضائية على غرار “المجلس الأعلى للنيابة” في بعض الأنظمة المقارنة.
• يرأسه رئيس النيابات العامة.
• يضم النواب العامين.
• يضم ممثلًا عن وزارة العدل (للتنسيق فقط دون تأثير).
• يضم خبيرًا في العدالة الجنائية وحقوق الإنسان.
وتكون صلاحياته:
1. إدارة شؤون المدعين العامين (تعيين، ترفيع، نقل، مساءلة، …إلخ).
2. إعداد النظام الداخلي للنيابة العامة.
3. مراقبة الالتزام بمدونة السلوك المهني.
4. ضمان استقلال قرارات الاتهام وعدم خضوعها لأي تأثير إداري أو سياسي.
________________________________________
خامساً: الآثار الإيجابية المتوقعة لهذا الإصلاح
1. تعزيز مبدأ الفصل الواضح بين الخصم (النيابة) و الحَكَم (القضاء).
2. رفع مستوى الثقة العامة بالقضاء عبر ضمان الحياد.
3. إيجاد رقابة مزدوجة:
o المجلس القضائي يراقب القضاة،
o مجلس النيابة يراقب المدعين العامين.
4. تخفيف العبء الإداري عن المجلس القضائي الحالي.
________________________________________
سادساً: نماذج دولية تدعم فكرة الإصلاح
1. المغرب: إنشاء “رئاسة النيابة العامة” المستقلة عام 2017 وفصلها عن وزير العدل.
2. فرنسا: وجود مجلس أعلى للقضاء بفرعين منفصلين للقضاة ولأعضاء النيابة.
3. تونس: اعتماد مجالس مستقلة للقضاء والنيابة بعد الثورة.
________________________________________
سابعاً: الحفاظ على وحدة السلطة القضائية
لا يمس هذا المقترح وحدة السلطة القضائية، بل يحقق توازناً بين جناحيها:
• القاضي بصفته الحكم المحايد،
• المدعي العام بصفته ممثل المجتمع والادعاء.
ويضمن هذا الفصل استقلالًا مهنيًا ووظيفيًا لكل منهما، ويحمي العدالة من أي تداخل أو تضارب في المصالح أو السلطات.

مركز إحقاق للدراسات القانونية

 

keyboard_arrow_up